2012/10/08

عهد تونس للحقوق والحريات الأسس.. المضامين والحق في الاختلاف 3-1

عهد تونس للحقوق والحريات


الأسس.. المضامين والحق في الاختلاف 3-1

بقلم: أ.لزهر الجويلي - تكاد كل الثورات في العالم قديمها و حديثها تشترك في المبادئ التي تعتنقها وفي الشعارات التي ترفعها إنّها كانت دوما ثورات من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة إنّها ثورات من أجل الحقوق و الحريات و كذلك كانت الثورة التونسية ثورة ضدّ الظلم والقمع و كبت الحريات
و الحيف الاجتماعي و الاقتصادي و الاقصاء و التهميش و التفاوت الاجتماعي و الجهوي .
إن أهم مرحلة تعقب الثورات هي مرحلة التأسيس فالثورات هي فعل اجتماعي ولكنها بنفس القدرهي فعل معرفي و ثقافي هي عملية هدم لمنظومة قيمية قديمة متآكلة ثبت افلاسها و بناء لمنظومة جديدة على انقاضها تستجيب لمتطلبات المرحلة واستحقاقاتها ولاشك أنّ ضمان الحقوق و الحريات طبقا لما توافقت عليه المجتمعات الانسانية عبر تاريخها الطويل في النضال من أجل حقوق الانسان هي الاستحقاق الرئيسي للثورة التونسية لذلك فإنّه لابد من التأسيس لإطار قانوني يكرّس الحقوق و الحريات العامة والفردية. إنّ الاستحقاق الرئيسي في تونس اليوم هو استحقاق الحقوق و الحريات. إنّه استحقاق التأسيس لمنظمومة حقوقية متطورة تستجيب لمقومات الدولة المدنية الحديثة، و حتى الخلافات السياسية التي تطفو اليوم على السطح من حين إلى آخرهي في جوهرها خلافات حول منظومة الحقوق والحريات أكثر منها خلافات حول البرامج الإقتصادية والإجتماعية إنّها خلافات مرتبطة أساسا بالمجال الحقوقي والثقافي.
ان المشهد السياسي اليوم غائم و ضبابي وهو لم يكتسب  ملامحه النهائية بعد مما لا يسمح لنا بالقول بوجود مجتمع سياسي ناضج ومتطور بالقدر الكافي الذي يخوّل له تحمل مسؤوليات المرحلة. إنّه ما زال يتحسس الطريق في ذلك الاتجاه وذلك في اعتقادي يعود إلى غياب الأرضية الحقوقية الشرط اللازم لبناء مجتمع سياسي حقيقي و فاعل و هي التي تمّ تغييبها و تهميشها خلال المرحلة السابقة ،فنحن للتوّ نخرج من حقبة ديكتاتورية خنقت الأنفس و كبّلت الأذهان والعقول فلم  توجد تجربة سياسية ديموقراطية حقيقية والتعدّدية الحزبية كانت زائفة و صورية لذلك فإنّ الاستحقاق الأوّلي اليوم هو استحقاق التأسيس الحقوقي الشرط اللازم للتأسيس السياسي وهو يقتضي ضبط الإطارالقانوني والوثيقة الحقوقية المرجعية التي تحسم مسألة الحقوق والحريات يتحرك الجميع في إطارها و يلتزمون بضوابطها حتى يتسنى الحديث فيما بعد عن وجود مجتمع سياسي قادر على التحمّل باستحقاقات المرحلة.
إنّ الدولة الديموقراطية الحديثة لم تبن استنادا إلى خيارات سياسية صرفة فقط وإنّما كانت قبل ذلك ثمرة جهد حقوقي طويل ومتواصل راكمتها تلك المجتمعات فما كان لتلك الدول أن تنضج تجربتها الديمقراطية والسياسية لولا الثورة الحقوقية التي عرفتها مجتمعاتها من خلال عهودها و مواثيقها الوطنية و من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية  و العهد الدّولي للحقوق المدنية والسياسية وغيرها من المواثيق التي تمثل الإطار الحقوقي والقانوني الذي ينتظم فيه المجتمع المدني و السياسي.
و لذلك فإنّ عهد تونس للحقوق والحريات يطرح نفسه اليوم كخيار استراتيجي واستحقاق أوّلي من استحقاقات الثورة التونسية يعبّرمن شعاراتها ومضامينها في الحرية و الكرامة والعدالة والمساواة وحاملا لآمالها وأحلامها و أهدافها في تكريس مجتمع ديموقراطي حديث ومتطور و دولة حديثة تحمي الحقوق والحريات و تحترم الانسان و تجعله هدفها الأسمى تكون في خدمته ولا يكون خادما لها و لا غرابة في ذلك فكل الثورات تقريبا تعقبها مرحلة التأسيس الحقوقي سواء كانت في شكل مواثيق أواعلانات أو عهود وإذا تم الاختيارعلى تسمية هذه الوثيقة بالعهد فإنّ ذلك لم يكن اعتباطيا فالعهد هوأرقى أشكال الاتفاقات وهو بالرجوع إلى قواعد القانون الدولي العام فإنّه خلافا للإعلان يعتبراتفاقا ملزما للأطراف المنظمة إليه وتلزم الدول باحترامه وبتقديم تقاريردورية تبيّن مدى التزامها بأحكامه ؛ وهو إضافة إلى ذلك يجمع بين حجية الالتزام القانوني و قوة الالتزام الأخلاقي. فالعهد ليس مجرّد اتفاق  و التزامات متبادلة يترتب جزاء قانونيا على الاخلال بها. إنّه إضافة إلى ذلك التزام أخلاقي يخاطب الضميرو الوجدان ويلزمهما والإخلال به إخلال بالتزام أخلاقي يعيب النفس ويهينها ولذلك جاء في القرآن الكريم : "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".
و في الحقيقية فإنّ قيم الحق والحرية والعدالة والمساواة أساس الدولة الحديثة ليست غريبة عن حضارتنا العربية الإسلامية بل إنّ هذه الحضارة قد ساهمت في مراكمة الجهد الإنساني لتكريس الحقوق والحريات وما كان لها أن تستمر وتساهم في إثراء الحضارة البشرية لولم تكن مشبعة بقيم الحرية والعدالة، إنني كلما قرأت أحكام المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي اكدت على انه "يولد جميع الناس أحرارا متساوون في الحقوق والواجبات ..." 
ستحضرت قولة عمر بن الخطاب:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا" يبدولي أن مضمون تلك المادة ليس إلا إعادة صياغة لمضمون تلك المقولة الخالدة التي تعكس بوضوح قيمة الحرية في حضارتنا، فالحرية هي المبدأ والأساس وهي القيمة المثلى اللصيقة بذات الانسان منذ لحظة ميلاده؛ فهو يولد حرّا ويعيش حرّا ويموت حرا.
إنّ الحرية تلازم الانسان فهي تنشأ بمولده وتلازمه لأنّها جزء منه ومن كيانه فلا وجود لذات إنسانية دون قيمة الحرية وكل شكل من اشكال قمع الحرية هونوع من الاستعباد الذي ترفضه الطبيعة البشرية ولذلك فإنّها قيمة مثلى يهتدي إليها الانسان بالدليل العقلي كما يرى ابن رشد و بالعقل الخالص كما يرى" إيما نوال كانط".
إنّ الحرية حق والتزام وواجب والحق حرّية يأبى القيود إلا بالقدر الذي يحمي حقوق الآخرين ولا يمس بحرياتهم لذلك فإنّ جدلية العلاقة بين الحق والحرية هي التي فرضت هذا التلازم فحيثما وجدت الحرية أينعت الحقوق وحيثما أفلت غاب معها الحق.
لماذا العهد؟ ماهي مضامينه؟ وكيف نفهمه على ضوء الحق في الاختلاف؟
                                                                                                                   الصباح 07 أكتوبر 2012
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق