2013/04/19

انتقال إسبانيا نحو الديمقراطية


انتقال إسبانيا نحو الديمقراطية

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مبنى البرلمان الإسباني
الانتقال الديمقراطي الإسباني (بالإسبانية: Transición Española) هو المرحلة التاريخية التي انتقلت خلالها إسبانيا من نظام فرانثيسكو فرانكو الديكتاتوري إلى دولةديمقراطية مسيرة بدستور ضامن لدولة القانون. اختلف المؤرخون حول الامتداد الزمني للانتقال الديمقراطي الإسباني، فبينما يحده بعضهم بين تاريخي تنصيب خوان كارلوس الأول كملك لإسبانيا (في 22 نونبر 1975) و دخول دستور 1978 حيز التنفيذ (29 دجنبر 1978)، يحصره آخرون بين 20 نوفمبر 1975، تاريخ وفاة الديكتاتور فرانثيسكو فرانكو، و 28 أكتوبر 1982، تاريخ نهاية فترة حكومة حزب اتحاد الوسط الديمقراطي.
و هناك أيضا من يؤرخ لنهاية الانتقال الديمقراطي الإسباني بين 1985 و 1986، حيث انضمت إسبانيا للسوق الأوروبية المشتركة (سلف الاتحاد الأوروبي) و صادق الشعب الإسباني على استفتاء عضوية الناتو. تمتد تصنيفات بداية المرحلة أيضا إلى 20 دجنبر 1973، تاريخ اغتيال لويس كاريرو بلانكو، بل و حتى إلى سنة 1966 ، سنة اعتماد القانون الأساسي الإسباني و الذي اعتبر آنذاك انفتاحا ديمقراطيا محتشما لنظام فرانكو. و تبقى أكثر تصنيفات المرحلة امتدادا في الزمن هي تلك التي تعتبر بداية حكومة الحزب الشعبي في 1996 نهاية للانتقال الديمقراطي الإسباني.

محتويات

  [أخف

[عدل]أهم الأحداث

الدستور الإسباني لعام 1978
التصنيف الأكثر إجماعًا بين المؤرخين هو ذلك الممتد بين وفاة الفريق فرانكو في 20 نوفمبر 1975 وفوز حزب العمال الاشتراكي الإسباني في الانتخابات التشريعية لعام1982. وفي ما يلي أهم الأحداث المفصلية التي ميزت الانتقال الديمقراطي الإسباني:
  • انتقال السلطة إلى مجلس وصاية حتى 22 نوفمبر 1975، حيث تم تنصيب خوان كارلوس الأول ملكًا لإسبانيا أمام البرلمان.[1]
  • خوان كارلوس الأول يبقي على حكومة سلفه برئاسة كارلوس آرياس نابارو.[2]
  • استقالة رئيس الحكومة كارلوس آرياس نابارو في 1 يوليو 1976 بفعل تضارب الروح المحافظة للحكومة الموروثة من النظام السابق مع إرادة الملك في إصلاح سياسي.[3]
  • تعيين أدولفو سواريث رئيسا للحكومة محل نابارو، وإطلاق حكومته لحوار وطني مع فعاليات الطيف المدني والسياسي الإسباني من أجل إنشاء نظام ديمقراطي في البلاد.[4]
  • مصادقة البرلمان الإسباني على قانون الإصلاح السياسي والذي دخل حيز التنفيذ غداة المصادقة عليه في استفتاء شعبي في 15 دجنبر 1976.[5] من أهم مضامين هذا القانون الأساسي حل النظام القائم وترسيخ مفهوم دولة القانون وتبني نظام برلماني بغرفتين. وكمنت أهمية القانون في خصوصية النظام القائم آنذاك الذي كان مبنيًا على قوانين أساسية تسمو على المنطق الدستوري، مما كان يفرض المرور من هذه الخطوة قبل طرح أي مسودة دستور ديمقراطي لاستفتاء شعبي. ويعتبر الفقيه الدستوري طوركواطو فيرنانديث ميراندا إيبيا مقترح هذه الخطوة التي استجابت لرغبة النخبة السياسية الإسبانية في انتقال ديمقراطي ضامن لحد أدنى من الاستمرارية المؤسساتية والسياسية.
  • في 1977 أجريت أول انتخابات تشريعية ديمقراطية منذ فترة الحرب الأهلية الإسبانية. احتل حزب اتحاد الوسط الديمقراطي المرتبة الأولى دون بلوغه الأغلبية،[6] و تم تكليفه بتشكيل الحكومة. في نفس السنة تم تشكيل لجنة صياغة أول دستور ديمقراطي إسباني.
  • في 6 ديسمبر 1978 صادق الشعب الإسباني على دستور 1978 الذي دخل حيز التنفيذ في 29 دجنبر 1978.[7]
  • في سنة 1981 استقال أدولفو سواريث من رئاسة الحكومة لتراكم مجموعة من الإكراهات كالأزمة الاقتصادية وصعوبة تنزيل الإدارة الجهوية وتكاثف أعمال العنف الصادرة من تنظيم إيتا،[8] إلا أن أكبر مثبط لعمل الحكومة آنذاك كان المقاومة الشرسة لتيارات داخل الجيش الإسباني لأي انتقال ديمقراطي.
صورة تخليدية في 2011 للحاضرين في مبنى البرلمان الإسباني إبان المحاولة الانقلابية ل 1981

[عدل]السياق التاريخي و العوامل الأساسية لنموذج التحول

ساهمت مجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية في تكون وعي سياسي بضرورة دمقرطة نظام الحكم بإسبانيا، و تسريع مرحلة الانتقال الديمقراطي.

[عدل]ثورة القرنفل

خلق نجاح الانتقال الديمقراطي البرتغالي، في 1974، و انهيار ديكتاتورية الإسطادو نوفو (Estado Novo) العسكرية ارتباكا في الأوساط المساندة لنظام فرانكو. فبسبب الشبه الكبير بين النظامين و تقاسم المجتمعين الإسباني والبرتغالي لمجموعة من السمات الاجتماعية و السياسية و التاريخية، تولد لدى الحراكين الديمقراطيين في البلدين وعي بوحدة المصير سهل امتداد المد الثوري البرتغالي إلى الجار الإيبيري و إن كان بصيغة أكثر سلمية من الانتقال البرتغالي.[13] وفيما يلي عوامل التحول المشتركة بين البلدين:
  • نظامان ديكتاتوريان عسكريان معمران (الأقدم أوروبيا منذ ثلاثينات القرن العشرين).
  • حضور قوي و مهيكل للقوى اليسارية في النقابات و الجامعات وفي أوساط المغتربين.
  • ظهور طبقات وسطى واعية سياسيا منادية بالدمقرطة السلمية. يعتبر هذا المكون عاملا أساسيا في تسريع التحول، لأن استمرار حضور أهوال الحرب الأهلية الإسبانية و الحروب الكولونيالية البرتغالية في المخيال الجماعي جعل الحراك الديمقراطي أكثر جنوحا للسلمية و لاستمرارية المؤسسات.
  • ظهور تيارات إصلاحية في المؤسستين العسكريتين للبلدين، تحت تأثير الانهيار السريع لسياستيهما الكولونيالية في إفريقيا في بداية السبعينات.[14]

[عدل]الملكية

ورث خوان كارلوس الأول نفوذا و سلطة واسعين على أساس القانون الأساسي لانتقال الحكم (لسنة 1947) بعد تعيينه خلفا من طرف فرانكو سنة 1969. و بمجرد توليه الحكم انخرط في مسلسل الدمقرطة مساندا من المنتظم الدولي و من الطيف السياسي الإصلاحي و الطبقة الإقتصادية و حتى من أوساط واسعة من الإدارة الفرانكوية. لعب دورا حاسما في دفع الإدارة و القضاء و الجيش في تبني قيم التغيير و جعل الملكية نقطة مرجعية يسرت انتقالا دون فراغات على مستوى القيادة أو على المستوى القانوني. كان على الملك المبتدئ آنذاك قيادة هذا المسلسل تحت مجموعة من الإكراهات:
  • المحافظة المتشددة للفرانكويين: شكل أنصار إسبانيا الفرانكوية، المعروفين في الأدبيات الإسبانية بالأولطراس (ultras) أو البونكر (bunker)، مصدر خطر مستمر لظهور ردة ديمقراطية خلال سنوات الانتقال الديمقراطي. و ذلك لتوغلهم داخل المؤسسة العسكرية و مؤسسات الدولة. كان للسياسة التوافقية (و الغير إقصائية) التي نهجها الملك دور في التحييد التدريجي لتأثير هذه الأجنحة. كما كان المنهج القانوني للتغيير، الذي لم يحدث قطيعة مع الهياكل السابقة (خصوصا القوانين الأساسية)، مانعا للفراغات القانونية و الدستورية خلال مرحلة الانتقال و لأي استفزاز للأجنحة المحافظة. و يعتبر الفقيه الدستوري طوركواطو فيرنانديث ميراندا إيبيا، أستاذ خوان كارلوس في القانون السياسي، منظر فلسفة التغيير الناعم هاته التي ساهمت في التخفيف من هذا الإكراه.[15]
  • المؤسسة العسكرية: ورث خوان كارلوس الأول قيادة جيش نظام ديكتاتوري و ذي حضور وازن في تدبير المشهد السياسي مما يتناقض مع دور جيش حديث في إطار دولة قانون ديمقراطية. كان الجيش الإسباني آنذاك ذا بنية تقليدية وغير احترافية وكان ساحة لتجاذبات سياسية إصلاحية و أخرى محافظة ذكتها إحباطات انهيار ديكتاتورية الجار البرتغالي و فشل السياسة الكولونيالية في إفريقيا. كانت لحظة انقلاب 1981 الفاشل، و التي لعبت المؤسسة الملكية دورا كبيرا في إحباطها، نهاية آخر الفلول الارتدادية داخل الجيش الإسباني و بداية انتقال المؤسسة العسكرية نحو الاحترافية في مسلسل تأهيل استمر لثماني سنوات.[16]
  • العنف السياسي: شكلت الأجنحة المتطرفة ،يمينية كانت أم يسارية، تهديدا مستمرا لمرحلة الانتقال الديمقراطي. فقد كان لاستفحال الصدام بين هذه الأجنحة و التيارات المحافظة و الجيش أن يخلق دوامة من العنف و العنف المضاد كان من الممكن أن تقوض الدمقرطة إلى غير رجعة. ساهمت سرعة المسلسل الانتقالي و المنهج التوافقي و الاستمراري في تخفيف تأثير هذه التيارات. كما ساهم الحسم في الاختيار الديمقراطي من طرف النقابات و الأحزاب السياسية اليسارية (بين 1971 و 1972)، إضافة لهيكلتها التنظيمية الجيدة، في ضبط القواعد و التهميش التدريجي للعنف السياسي.[17]

[عدل]الحراك المجتمعي

عرفت إسبانيا منذ خمسينات القرن العشرين تحولات في بنيتها الاقتصادية و الاجتماعية نتيجة تصنيعها المتزايد و ظهور طبقة حضرية نشيطة بطبقة متوسطة وازنة. فرغم مصادرة نظام فرانكو لأغلب الحقوق المدنية و السياسية إلا أن أشكال التأطير المدني و السياسي تكاثفت في إسبانيا منذ الستينات عبر النقابات و الاتحادات الطلابية و الأحزاب السياسية و جمعيات السكان و جمعيات ربات المنازل. و لقد اضطرت الاحتجاجات العمالية النظام لإعلان حالة الطوارئ ثلاث مرات خلال سنتي 1969 و 1970 و إلى حظر الجمعيات السياسية سنة 1964. وفيما يلي أهم محطات و عناصر الحراك المجتمعي الذي سبق ورافق الانتقال الديمقراطي
  • الحركة العمالية: خلال ستينات القرن العشرين، و بتأطير من الحزب الشيوعي الإسباني، قامت مجموعة من الخلايا العمالية المتفرقة عبر مقاطعات أستورياس وكتالونيا ومدريد وإقليم الباسك بتأسيس اتحاد عمالي عرفباللجان العمالية ‏(Comisiones Obreras)‏.[18] تطورت مطالب الحركة العمالية عبر التراب الإسباني وعلى مستوى مجموعة من القطاعات الحيوية كالمناجم والصناعات التحويلية، ناهجة سياسة توسعية اختراقية (entrismo) للنقابات الفرانكوية القائمة. بسبب القمع الوحشي الذي ووجهت به تحولت الحركة العمالية الإسبانية من المطالب الاجتماعية (كرفع الأجور و الضمان الاجتماعي) إلى المطالب المدنية و السياسية، وشكلت حافزا لانضمام شرائح واسعة من المجتمع (كالطلبة و المثقفين) إلى الجبهة المناهضة للفرانكوية. ساهمت الإضرابات العمالية الضخمة بين 1971 و 1975 في تعبئة الطيف السياسي الإسباني و تحقيق مكتسبات سياسية و عمالية و خصوصا في تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي.[19][20]
  • الحركة الطلابية: شكلت الفضاءات الجامعية الإسبانية خلال عقدي الستينات و السبعينات معقلا للاحتجاج السياسي، متأثرة بموجات التغيير الأوروبية، و خصوصا انتفاضة ماي 68 و ربيع براغ. كانت أغلب التنظيمات الطلابية ذات توجه يساري (تروتسكية أو ماوية)، و عرفت إعلاميا باسم بروغريس (progres). لعبت الحركة الطلابية آنذاك دورا كبيرا في التكوين السياسي لجيل من السياسيين الذين بصموا مرحلة الانتقال الديمقراطي (فيليبي كونثاليث كمثال). و ساهمت خلال سنوات إرهاصات الانتقال الديمقراطي في تشكيل جبهة نضالية موحدة مع الحركة العمالية، و ساعدها في ذلك توفرها على قواعد ضخمة بالمراكز الجامعية الكبرىكشلمنقة وبلد الوليد و برشلونة و مدريد و إشبيلية و بلباو. أكبر دليل تاريخي على الخطر الذي كانت تشكله الحركة الطلابية بالنسبة لنظام فرانكو هو إلحاق الأخير لأول جهاز استخباراتي إسباني (Servicio Central de Documentación SECED) بوزارة التعليم في 1969.[21][22]
تمثال لإنريكي تييرنو في إحدى حدائق مدريد
  • المثقفون: عانت الحياة الثقافية الإسبانية خلال أربعينات و خمسينات القرن العشرين من جمود كبير عرف بتسمية (páramo cultural)، و ذلك تحت تأثير القمع والرقابة (الخارجية أو الذاتية) و هجرة أغلب المبدعين إلى الخارج. ابتداء من الستينات، و تحت تأثير الحراك الاجتماعي، حدث انفتاح في المشهد الثقافي مكن من عودة زمرة من المبدعين المغتربين و ظهور جيل من الأدباء و دور النشر ذات المدى الإصداري الواسع. تميزت المرحلة أيضا بنزيف داخل جبهة المثقفين الفرانكويين و التي اصطف جزء منها إلى جانب التيار الإصلاحي (كاميلو خوسي ثيلا كمثال). تميز المثقفون الإسبان خلال تلك الفترة بالتزامهم السياسي و عمليتهم و لا نخبويتهم، حيث ارتبطوا عضويا بباقي مكونات الحراك المجتمعي كالجامعات و النقابات و خصوصا الأحزاب السياسية. و من أهم الأسماء الأدبية و الفلسفية التي جسدت هذه الممارسة : إنريكي تييرنو و خوصي لويس لوبيث أرانغورين و أغوستين غارثيا كالبو و أنطونيو طوبار و خوصي ماريا بالبيردي.
تميز الحراك الثقافي آنذاك أيضا بازدهار للمسرح الجامعي و أندية شعبية للسينما و الموسيقى الملتزمة (جوان مانويل صيراط كمثال)، و ساعدت هذه الأشكال الإبداعية على خلق فضاءات للحوار و التثقيف السياسيين وسط شرائح اجتماعية واسعة.[23]
  • التكتلات المدنية: في 1964 قامت السلطات الفرانكوية بسن قانون جمعيات يقيد أنشطتها السياسية.[24] رغم ذلك استطاع المجتمع الإسباني أن يبدع أطرا جديدة مثل جمعيات الأحياء و جمعيات ربات البيوت، و التي استطاعت تأطير مئات الألاف من المواطنين. انطلقت هذه التكتلات المدنية من مطالب اجتماعية بسيطة (كإنشاء المدارس و تحسين وسائل النقل و توفير مواقف السيارات)، لتتطور لتنظيم المظاهرات التضامنية مع المعتقلين السياسيين و تنخرط في نفس النسق النضالي للحركات العمالية و الطلابية.[25]
  • الكنيسة الكاثوليكية: رغم كونها إحدى أهم ركائز الفرانكوية في بداياتها إلا أن الكنيسة الكاثوليكية ستعرف انطلاقا من الستينات ظهور تيارات إصلاحية و معارضة للديكتاتورية امتدت لأعلى مستوياتها التسييرية. استفادت هذه التيارات من دعم البابا بولس السادس و ساهمت خلال الانتقال الديمقراطي في التشجيع على التوافق السياسي.[26][27]

[عدل]الطبقة السياسية، فلسفة الأولويات و حس التوافق

ساهمت مجموعة من العوامل في دفع الطبقة السياسية إلى بناء توافقات عريضة سرعت وتيرة مسار الانتقال:
  • تشجيع المجتمع الدولي آنذاك للتحول السلمي.
  • تواجد تيارات وازنة تؤمن بالعنف السياسي (كإيتا و الجماعات الجذرية يمينية كانت أو يسارية) و الأسلاك المحافظة في الجيش و الشرطة و الإدارة الفرانكوية. تفاعل هذا الهاجس بطريقة مركبة مع مكون التوافق، فبقدر ما ساهم خطر العنف في سيادة ثقافة التوافق في أصعب لحظات الانتقال بقدر ما ساهم في دفع العديد من التيارات الجذرية للقيام بمراجعات مهمة و تغليب كفة العمل السلمي.
  • استمرار حضور أهوال الحرب الأهلية الإسبانية في الذاكرة الجماعية الإسبانية دفع جميع الأطراف إلى تبني سلوك إيجابي و توافقي خلال محطات الانتقال.
سانتياغو كاريو (يمين) رفقة رافائيل ألبرتي خلال أحد مؤتمرات الحزب الشيوعي الإسباني في 1978
تميزت الأحزاب السياسية الإسبانية الفاعلة آنذاك (و خصوصا الحزب الشيوعي (PCE) و الحزب الاشتراكي العمالي(PSOE)) بتغليب الأهداف النهائية على المبادئ الإيديولوجية الذاتية.[28] ومن أهم دعاة هذه الفلسفة السياسية أدولفو سواريث و فيليبي كونثاليث و سانتياغو كاريو و مانويل فراغا. اعتمدت المعارضة الديمقراطية آنذاك على آلية التكتل، فكان المجلس الديمقراطي (Junta democratica) أول ائتلاف بمبادرة من الشيوعيين (PCE) سنة 1974، وفي 1976 نشأت الأرضية الديمقراطية (Plataforma democratica) بمبادرة الاشتراكيين (PSOE). اندمجت الهيأتان في إطار موحد عرف باسم التنسيقية الديمقراطية ‏(Platajunta)‏[29] و هكذا تشكلت قوة ضغط قوية ضمت مكونات كانت إلى الأمس القريب متنافرة إيديولوجيا (كاليساريين و الكارليين و الليبراليين)، و جعلت طيف المعارضة يتبنى برنامجا واضحا يطالب بالحريات العامة و إجراء انتخابات و تشريع الأحزاب السياسية و الجمعيات المدنية.[30]

[عدل]عوامل أخرى

ساهمت أحداث و سياقات أخرى في رسم معالم الانتقال الديمقراطي من بينها:
  • توافر مؤهلات اقتصادية محترمة و طبقة وسطى مزدهرة مكنت من تطبيق اللامركزية. حيث يعتقد بعض المؤرخين أن فشل الجمهورية الإسبانية في ثلاثينات القرن العشرين، يرجع بالأساس لهشاشة الاقتصاد الإسباني آنذاك. ساهم تبني النظام الفيدرالي في امتصاص جزء كبير من التوترات الانفصالية الجهوية و انخراط النخب الجهوية في مسلسل الإصلاح.[31]
  • اغتيال منظمة إيتا للويس كاريرو بلانكو، رجل النظام القوي و المرشح الأول لخلافة فرانكو آنذاك، في 20 دجنبر 1973، أي فقط 6 أشهر بعد تقليده رئاسة الحكومة. شكل هذا الاغتيال آنذاك ضربة قوية للنظام الفرانكوي، و أدى لانقسامه بين تيارات إصلاحية و أخرى محافظة.[32]
  • المراجعات السياسية لليساريين الإسبان، خصوصا يساريي الداخل، و المتمثلة في الحسم في الخيار الديمقراطي. و لقد ساهمت صدمة اليسار الأوروبي إثر أحداث انتفاضة ماي 68 و ربيع براغ، في نشأة تيار من السياسيين اليساريين الأقل ارتباطا بالمعسكر الشرقي (مقارنة بالمغتربين) تمكنو من البسط الديمقراطي لأفكارهم خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي العمالي لسنة 1972. اعتبر فيليبي كونثاليث أيقونة هذا التيار حيث انتخب ككاتب أول للحزب سنة 1974.[33]
  • موجة العنف السياسي لسنة 1977: عرف النصف الأول من سنة 1977 تكاثف أحداث عنف و عنف مضاد من طرف المجموعات الجذرية. و كانت أهمها مجزرة أطوتشا (Matanza de Atocha) التي نفذها موالون للفرانكوية و توفي خلالها 5 محامين موالين للجان العمالية والحزب الشيوعي، وعمليات منظمة إيتا (تسببت في مقتل 28 شخصا في 1977)، و عمليات منظمة (GRAPOالماوية. خلقت موجة العنف هاته وعيا بضرورة تسريع الإصلاح وواجهتها الطبقة السياسية بإلغاء جميع أشكال المنع أمام الأحزاب السياسية و إجراء أول انتخابات تشريعية ديمقراطية منذ الحرب الأهلية الإسبانية في يونيو 1977.[34]

[عدل]أهم التحولات

[عدل]النظام القضائي

مقر المحكمة الدستورية الإسبانية في مدريد
رسخ دستور 1978 مبدأ استقلال القضاء وأنشأ المحكمة الدستورية العليا المخولة الوحيدة لتقرير نفاذ القوانين ولفض النزاعات بين الحكومة المركزية و الحكومات الجهوية.[35] تضم هذه المحكمة 12 عضوا يعينهم الملك بناء على المحاصصة التالية:[36]
  • 4 أعضاء يسميهم مجلس النواب بموافقة ثلاثة أخماس أعضائه
  • 4 أعضاء يسميهم مجلس الشيوخ بموافقة ثلاثة أخماس أعضائه
  • عضوان (2) تسميهما الحكومة
  • عضوان (2) يسميهما المجلس الأعلى للقضاء
أربع جهات داخل الدولة مخولة للتوجه نحو المحكمة الدستورية هي رئيس الحكومة أو ديوان المظالم (Defensor del pueblo) أو مجموعة برلمانية من 50 نائبا على الأقل (من مجلس النواب أو مجلس الشيوخ) أو الأجهزة التنفيذية للمقاطعات الذاتية الحكم.

[عدل]الإصلاح الدستوري

نصب تذكاري مخلد لدستور 1978 في مدريد
أهم مضامين الإصلاح الدستوري ل 1978:[37]
  • اعتبار الكرامة الجسدية و الحريات الشخصية على رأس الأولويات (تم تحصين هذا المبدأ بتشريعات متعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام و السجن المؤبد و تحريم التعذيب و الاعتقال التعسفي).
  • ضمان الحريات العامة من قبيل حق التظاهر و تأسيس المنظمات المدنية و السياسية و حرية التعبير و الصحافة.
  • تبني نظام انتخابي على أساس التمثيل النسبي مع التنصيص الدستوري على المقاطعة كدائرة انتخابية.
  • قصر نطاق عمل القضاء العسكري في المجال العسكري و الفصل بين إجراءات التحقيق و إجراءات المحاكمة في القضايا الجنائية.
  • تبني نظام لامركزي شبه فيدرالي، يتيح للمقاطعات الذاتية الحكم انتخاب برلمانات جهوية و تنصيب حكومات جهوية و إدارات محلية مستقلة، مع الاعتراف بخصوصياتها الثقافية و اللغوية.
  • حصر إعلان حالة الطوارئ بين البرلمان و الحكومة، و وضع القوات المسلحة تحت السيطرة الكاملة للمؤسسات المدنية.

[عدل]المؤسسة العسكرية

انطلقت عملية تحول الجيش الإسباني في 1982، واستمرت لثماني سنوات، هادفة إلى إنهاء الاستقلالية السياسية و الهيكلية و الاقتصادية و التشغيلية التي كانت تتمتع بها القوات المسلحة، كما هدفت أيضا إلى تغيير نظرة المواطنين حيال جيشهم الوطني. و من أهم العوامل المساعدة للتحول:
  • إمكانية دخول إسبانيا لحلف شمال الأطلسي[38] و هو ما مكن من الارتقاء بأنظمة الدفاع و الأطر المؤسساتية و المهنية إلى المعايير الأطلسية (دخلت البلاد للحلف لاحقا في 1986). و لقد استفادت إسبانيا خلال هذه الفترة من الخبرتين الأمريكية و الأوروبية في التأهيل الاحترافي للجيوش.
  • قانون العمل العسكري الذي أقره البرلمان في 1989 و الذي ارتقى بالمنظومة الدفاعية الإسبانية للمعايير الأوروبية، و الذي تزامن مع انضمام إسبانيا للاتحاد الأوروبي و خفض الوجود العسكري الأمريكي في القواعد الإسبانية.
  • انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ساعد في تقليص الإنفاق العسكري و ساعد في تقبل الجيش لتقليص صلاحياته و إعادة تعريف مجال اشتغاله في إطار المعطيات الجديدة للنظام الدولي.
  • عدم فرض معايير عسكرية في تدبير الحرب على أعمال العنف الصادرة من منظمة إيتا، رغم استمرار استهداف الجيش من طرف المنظمة الانفصالية. حيث تم تدبير المعضلة "مدنيا" من طرف الحرس المدني (الشرطة الوطنية أو Guardia civil) و مسار سياسي موازٍ متفاعل مع المكونات السياسية للانفصال الباسكي (خصوصا اليسار الوطني الباسكي Izquierda abertzale).

[عدل]الاقتصاد

تزامنت مرحلة الانتقال الديمقراطي الإسباني مع ظرفية اقتصادية صعبة. فتراكمات أزمة النفط العالمية لسنة 1973 كانت جاثمة على الاقتصاد الإسباني إبان فترة التحول،[39] ناهيك عن حالة النكوص و عدم وضوح الرؤية التي خلقتها مرحلة الانتقال لدى الفاعلين الاقتصاديين. و هكذا ولجت إسبانيا سنة 1977 بمعطيات رقمية اقتصادية مقلقة، حيث كانت نسبة نمو ناتجها الداخلي الخام بطيئة ب 1,5% فقط، و البطالة تتجاوز 000 800 عاطل و نسبة التضخم تناهز 20%.
في هذه الظرفية تم توقيع مواثيق المونكلوا (Pactos de la Moncloa) سنة 1977، و هي خارطة طريق مشتركة لتثبيت المسار السياسي للانتقال الديمقراطي و للإقلاع الاقتصادي. وقعت المواثيق من طرف الحكومة و النقابات و الأحزاب السياسية و جمعيات أرباب المقاولات. من أهم التوصيات الاقتصادية التي تم الاتفاق بشأنها:[40]
تطور الناتج الداخلي الخام الفردي المقارن بينإسبانيا و البرتغال و المكسيك بين 1900 و 2000
ظل مفعول هذه التدابير محدودا و كانت نتائجها أقل من الأهداف المرسومة، إلا أن أهميتها كانت في الدفع إلى توحيد و تضامن جميع الفاعلين أمام الأزمة الاقتصادية.
في 1982 و مع تولي حكومة الاشتراكيين الحكم، استمرت إسبانيا في تعميق الإصلاحات الهيكلية تحت إكراه ضبط التضخم و التقليص من نسبة البطالة. و كان هدف الانضمام للاتحاد الأوروبي حافزا لتطبيق مبادئ الشفافية في عمل الأسواق و تحريرها و مأسستها، مع خفض سياسة الدعم. و من أهم التدابير التي اتخذت خلال تلك المرحلة
  • تشجيع دخول الأبناك الأجنبية
  • إعادة تنظيم شاملة للنظام المالي و تعزيز مكانة الأبناك الجهوية
  • تحرير أسواق البضائع و الخدمات
في 1985 أكملت إسبانيا متطلبات الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة، وفي نهاية ولاية الاشتراكيين في 1996 كانت نسبة التضخم 3,6% و عجز الميزان التجاري 4,4% و نسبة الدين العام 69%. تبقى أهم سمة اقتصادية لمرحلة الانتقال الديمقراطي هي التأسيس لاقتصاد ليبرالي حديث، ذي مسؤولية اجتماعية، متسم بالشفافية، و لحكامة اقتصادية تشاركية بين جميع الفاعلين.[41]

[عدل]الثقافة

المخرج الإسباني بيدرو ألمودوبار أحد رموز الموفيدا الثقافية
بفضل الاندثار التدريجي لكل معيقات الإبداع الثقافي، عرفت إسبانيا ازدهارا ثقافيا كبيرا خلال ثمانينات القرن العشرين عرفت باسم "الحركية" أو لاموفيدا (La movida). شكلت هذه الحركية طفرة في المشهد الثقافي وفي العادات الاجتماعية خصوصا في أوساط الشباب. انطلقت الظاهرة في مدريد كشكل من أشكال الثقافة المضادة (contracultura) عبر أجناس إبداعية حداثية كالبانك (Punk) و الموجة الجديدة (New wave) و الروك البديل قبل أن تمتد إلى جميع مجالات الاشتغال الثقافيكالموسيقى و السينما و التصميم و القصص المصورة و الأدب. لاقت الظاهرة آنذاك دعما كبيرا من طرف عمدة مدريد إنريكي تييرنو، و انتشرت إلى باقي المدن الإسبانية كبرشلونة و بلباو و بيغو. من أهم رموز لاموفيدا المخرج السينمائي بيدرو ألمودوبار و الصالونات الإبداعية (Tertulia de Creadores) التي كان ينظمها الأديبجريجوريو موراليس.[42]

[عدل]الإعلام

كانت الممارسة الصحفية خلال السنوات الأخيرة لنظام فرانكو مؤطرة بقانون إعلام (صدر في 1966) موغل في الرقابة المسبقة، حيث كان يقضي بإطلاع مصالح وزارة الإعلام على نسخ الجرائد عشر ساعات قبل نشرها. بمجرد انطلاق مسلسل الانتقال تم توقيف تنفيذ هذا القانون. انطلاقا من 1975 تطورت الحريات الإعلامية بالموازاة مع الاندثار التدريجي للرقابة الذاتية.
و لقد نص الدستور الإسباني لسنة 1978 على الحق الدستوري في الاتصال و حق الوصول إلى المعلومة، و تولد وعي بضرورة عدم عرقلة حرية الإعلام، بأي تشريعات خاصة، لأهميته في بناء الدولة الديمقراطية. و هو ما عبر عنه آنذاك فرانثيسكو أوردونييث، الذي تقلد منصب وزير الخارجية في حكومة الاشتراكيين، لاحقا، بمقولة:[43][44]
«"أفضل قانون للإعلام هو عدم وجود قانون للإعلام"»

[عدل]راجع أيضًا

[عدل]مراجع

  1. ^ hemeroteca de ABC -El 22 de noviembre de 1975, Juan Carlos coronado rey
  2. ^ La Transición política (1975-1982) - Gobierno de Carlos Arias Navarro
  3. ^ LA DIMISIÓN DE ARIAS NAVARRO, FACTOR CLAVE PARA LA TRANSICIÓN. EL PAPEL DE LA PRENSA ESCRITA EN LA CRISIS Ernesto Cruzado Catalán
  4. ^ Adolfo Suárez acepta la oferta de Juan Carlos I para presidir un nuevo Gobierno, con el objetivo de reformar el sistema.
  5. ^ Ley 1/1977, de 4 de enero, para la Reforma Política.
  6. ^ Appendix A: Table 2. Selected Election Results for the Congress of Deputies, 1977-86Country Studies: Spain. Library of Congress.
  7. ^ EL REFERÉNDUM CONSTITUCIONAL DE 6 DE DICIEMBRE DE 1978
  8. ^ Acciones Terroristas: Víctimas Policiales de ETA. La Guardia Civil.
  9. ^ Diario ABC. 31/Enero/1981
  10. ^ El País. 2/Marzo/1982
  11. ^ La crisis de UCD culmina con la decisión de disolverse como partido político
  12. ^ La España de Felipe. 25 años del triunfo del PSOE - El Mundo
  13. ^ La reacción española ante la revolución portuguesa a través de la prensa. El tratamiento de los principales diarios (1974-1976)
  14. ^ ¿Revolución versus Transición? Visiones de España desdeel Portugal revolucionario y posrevolucionario
  15. ^ LA TRANSICIÓN ESPAÑOLA1.1. La agonía del Franquismo
  16. ^ El ejército en la transición - MANUEL GUTIÉRREZ MELLADO
  17. ^ 25 años de monarquía 25 años de emociones MARIO VARGAS LLOSA
  18. ^ موجز من تاريخ نقابة اللجان العمالية
  19. ^ La evolución de la afiliación a CCOO. 1978-2007, Confederación Sindical de CCOO
  20. ^ Transición política y sindicalismo radical, Centro de Asesoría y Estudios Sociales.
  21. ^ El movimiento estudiantil español a lo largo del tiempo La Transición y los años 90. Un análisis cualitativo
  22. ^ MOVIMIENTO ESTUDIANTIL ANTIFRANQUISTA, CULTURA POLÍTICA Y TRANSICIÓN POLÍTICA A LA DEMOCRACIA Alberto Carrillo-Linares
  23. ^ Los intelectuales en la Transición - Revista de Historia Contemporánea
  24. ^ EL DERECHO DE ASOCIACIÓN EN LA HISTORIA CONSTITUCIONAL ESPAÑOLA, CON PARTICULAR REFERENCIA A LAS LEYES DE 1887 Y 1964 José Daniel Pelayo Olmedo
  25. ^ Asociacionismo, sociabilidad y movimientos sociales en el franquismo y la transición a la democracia. Murcia, 1964-1986
  26. ^ La transición política en España y la cuestión religiosa.
  27. ^ IGLESIA Y TRANSICIÓN POLÍTICA
  28. ^ EL ESPÍRITU DEL CONSENSO Concepción Mónica Montero Elena
  29. ^ Coordinación Democrática / Platajunta
  30. ^ La transición española entre el consenso socioeconómico y la armonización autonómica
  31. ^ LA TRANSICIÓN POLÍTICO-ECONÓMICA Y LA CONSTRUCCIÓN DEL ESTADO DE BIENESTAR EN ESPAÑA (1975-1986)
  32. ^ LA TRANSICIÓN1976-1986Diez años de TransiciónDe Carrero a Suárez(I)
  33. ^ MATEOS, Abdón, El PSOE contra Franco: continuidad y renovación del socialismo español 1953-1974. Ed. Pablo Iglesias, Madrid, 1993. 502 pp. Prólogo de Javier Tusell.
  34. ^ Las otras víctimas de una transición nada pacífica Gonzalo Wilhelmi. Universidad Autónoma de Madrid
  35. ^ EL CONSEJO GENERAL DEL PODER JUDICIAL ESPAÑOL: INDEPENDENCIA Y AUTOGOBIERNO
  36. ^ Ley Orgánica 2/1979, de 3 de octubre, del Tribunal Constitucional.
  37. ^ Boletín Oficial del Estado núm. 311, de 29 de diciembre de 1978
  38. ^ EL NACIONALISMO DEL EJÉRCITO ESPAÑOL: LÍMITES Y RETÓRICAS Pedro Oliver Olmo
  39. ^ El ajuste económico de la transición
  40. ^ La economía. Los Pactos de la Moncloa
  41. ^ La transición de la economía española al siglo XXI CRISTÓBAL MONTORO *
  42. ^ La Movida madrileña ….. y los años 80
  43. ^ Prensa de información general durante la transición política española (1974-1984). Pervivencias y cambios en la representación de las relaciones sociales. Núria Simelio Solà
  44. ^ Los últimos intentos reformadores de la prensa del movimiento (1975-1976)

[عدل]مصادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق