2012/06/05

سياسات الأجور : الانعكاسات و العبر


سياسات الأجور : الانعكاسات و العبر

                                                            

منذ الاستقلال و إلى يومنا هذا مرَت سياسة الأجور بتونس بأربعة مراحل أساسية كان لها وقع كبير على مسار البلاد الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي. و اليوم، و نحن على مشارف وضع اقتصادي و اجتماعي جديد مشحون بالتحديات و المخاطر، وجب إلقاء لمحة مختصرة على التجارب التي عرفتها البلاد في ميدان الأجور قصد استخلاص العبر و استشراف المستقبل.
و في هذه الورقة سوف نتناول باقتضاب شديد :

أ - السمات الأساسية للمناخ الاقتصادي و الاجتماعي التي كيًفت بقدر كبير سياسة الأجور التي اُتبعت في كلً مرحلة من المراحل الأربعة التي ذكرناها أعلاه

ب – خصوصيات المنهجية التي اتبعت في التفاوض حول الأجور خلال كلُ مرحلة من هذه المراحل الأربعة

ت – انعكاس سياسة الأجور على مستوى عيش الأجراء و بالتالي على المسار الاقتصادي والاجتماعي و السياسي للبلاد

ث – أهم العبر التي يمكن استخلاصها من التجارب السابقة في ميدان الأجور

ج – أهم التحديات و المخاطر التي تهدد البلاد في السنين المقبلة

ح – الاختيارات الاستراتيجية المتوفرة للاتحاد في ميدان الأجور و الممكن اتباعها في السنين المقبلة

المرحلة الأولى : مرحلة البناء و التشييد  ( 1956-1973 ) (18 سنة)
المناخ  :
·      فترة إرساء أسس الاقتصاد التونسي
·      ضعف فادح في رأس المال الخاص و عدم قدرته على المساهمة بجدية في إرساء أسس الاقتصاد التونسي
·       تكفل الدولة بأهم قسط في تشييد أولى عناصر البنية التحتية (طرقات، مواني، مطارات، سدود، وغيرها) و التجهيزات الجماعية (مدارس، معاهد، مستشفيات، وغيرها) وبناء أولى مكونات النسيج الاقتصادي الوطني (فلاحة، صناعة، نقل، سياحة، و حتى الخدمات المصرفية و التجارية)
·      تجميد شبه كلي للأجور قصد ادخار الأموال الضرورية للبناء و التشييد، ناهيك و أن كلمة "تقشف" أصبحت في تلك الفترة التاريخية مُتداولة بكثرة في الخطاب السياسي

منهجية التفاوض :

·      لا يمكن في هذه المرحلة الحديث عن منهجية التفاوض، ذلك أن القانون يمنع الأطراف الاجتماعية منعا باتا التفاوض حول الأجور. و هذا المنع الذي ورثته البلاد من فترة الاستعمار وقع إقراره مُجددا بمجلة الشغل الصادرة سنة 1966 (أنظر الفصل من هذه المجلة)
·      خلال هذه المرحلة الطويلة (18 سنة) لم يقع تحيين الأجور العينية بأوامر فوقية إلا مرتين : 1966 و 1970 (منحة غلاء المعيشة)

الانعكاسات :

·      تدهور ملحوظ في القدرة الشرائية للأجراء رغم التحكم النسبي في نسق التضخم، أي في نسق ارتفاع أسعار الاستهلاك (3% سنويا)
·      تباطؤ محسوس في استهلاك الأجراء في نطاق اقتصاد مغلق يعتمد بالأساس الطلب الداخلي، مما ساهم بقدر كبير في إفراز بوادر أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة في أواخر الستينات.

العبر :

·      قبول العمال بالتضحية في حالة اقتناعهم بنبل المشروع (المساهمة في بناء اقتصاد البلاد و تشييده في هذه المرحلة)
·      خطورة الإسراف في التقشف، أي في تجميد الأجور، خصوصا في إطار اقتصاد يعتمد بالأساس الطلب الداخلي كمحرك.
·      عدم شرعية التسرع في تفويت المؤسسات الاقتصادية العمومية بأسعار تافهة في بعض الأحيان، و دون استشارة القوى النقابية، علما و أن المؤسسات الاقتصادية العمومية هذه كانت نتاج تضحيات عُمالية جسيمة.


المرحلة الثانية : مرحلة الريع البترولي (1974-1983) (10 سنوات)

المناخ :

·      بلوغ إنتاج البلاد من النفط أوجه في هذه المرحلة، مع تمتع البلاد بفائض هام على مستوى موازنة الطاقة
·      ارتفاع هام للغاية في أسعار النفط على المستوى العالمي في مناسبتين : أواخر 1973 (حرب الشرق الأوسط) و 1979 (ثورة إيران).
·      رفاهية نسبية للمالية العمومية بسبب موارد الدولة الهامة المتأتية من الريع البترولي، في إطار اقتصاد لا زالت فيه جلُ الأجور مرتبطة ارتباطا وثيقا بحالة المالية العمومية : أجور الوظيفة العمومية بصورة مباشرة وأجور المؤسسات الاقتصادية العمومية بصورة غير مباشرة

منهجية التفاوض :

·      إلغاء الفصل من مجلة الشغل المُحجر على الأطراف الاجتماعية التفاوض حول الأجور
·      تحيين الأجور العينية بنسق هام و بصورة شبه مسترسلة في إطار "الاتفاقيات القطاعية" و "القوانين الأساسية" للوظيفة العمومية أو المؤسسات لاقتصادية العمومية.
·      يُجرى التفاوض حول الأجور سنويا بصورة لاحقة باعتماد معطيات اقتصادية موضوعية كمؤشر الأسعار و نسبة نمو الناتج الداخلي و غيرها.
·      في هذه المرحلة كان الأجر يُنظر له ضمنيا لا فقط ككلفة (زاوية العرض البحتة) و إنما أيضا كدخل دافع للاستهلاك و بالتالي كمُحرك أساسي للاقتصاد (زاوية الطلب في نطاق اقتصاد مغلق لا زال يعتمد بالأساس على الاستهلاك الداخلي)
·      حصول تحيين الأجور في ثلاثة مناسبات (1977 و 1981 و 1982) بنسب مشطَة للغاية دون اعتماد مؤشرات اقتصادية موضوعية، بل نتيجة نزوات فردية تندرج في نطاق التهافت على السلطة (خلافة بورقيبة)                     


الانعكاسات :

·      تحسن مسترسل و مرموق في مستوى عيش الأجراء بنسق لم يحدث قط مثله في تاريخ تونس المستقلة، ذلك أن النسبة السنوية في تحسن الطاقة الشرائية للشغالين تراوحت بين 8.2% للعمال و 3.3% للإطارات الوسطى و 0.5% للإطارات العليا، و ذلك رغم نسبة تضخم مرتفعة (8.3% سنويا)
·      تحقيق نسب نمو محترمة للناتج المحلي تراوحت بين 5% و 6% سنويا بالأسعار القارة
·      تباطؤ في تصدير السلع و الخدمات بسبب نسب تضخم عالية لم يتبعها تخفيض في قيمة الدينار (بوادر خلل خطير على مستوى المدفوعات الخارجية)
·      بوادر خلل خطير في التوازنات المالية لصناديق الضمان الاجتماعي بسبب إعفاء الزيادات الهامة في الأجور التي حصلت سنتي 1981 و 1982 من المساهمات في هذه الصناديق

العبر :

·      يمثل تحسن الطاقة الشرائية للشغالين المحرك الأساسي للاقتصاد، خصوصا في نطاق اقتصاد لا زال مغلقا يعتمد بالأساس الطلب الداخلي
·      استحالة تحقيق  تحسن مرموق و دائم في الطاقة الشرائية للأجراء دون عقلنة مطلبية العمال، من ناحية، و اكتساب قوة ضغط على الأطراف المقابلة، أي قواعد نقابية صما سريعة التعبئة عند الحاجة، من ناحية أخرى، و هذا ما كان يتميز به "الاتحاد" خلال هذه المرحلة  
·      خطورة التسيب في تحيين الأجور، أي تحيين هذه الأجور دون اعتماد مؤشرات اقتصادية موضوعية، وهو ما حدث في 1977 و 1981 و 1982 بقرارات ديماغوجية ظاهرها رحمة و باطنها عذاب. ذلك أن هذا النمط من الإجراءات، و إن يرضي الأجراء عاجلا، فإنه يلحق أضرارا بالغة بمصالحهم آجلا (إضاعة ما تحصلوا عليه من تحسن في القدرة الشرائية بسبب تصاعد التضخم، من ناحية، و تجميد الأجور لاحقا، من ناحية أخرى ، استفحال الخلل لاحقا في التوازنات المالية لصناديق الضمان الاجتماعي،...)
·      خطورة التداخل المطلق بين القضايا الاقتصادية و الاجتماعية، من ناحية، النزوات السياسية، من ناحية أخرى، كأن تُحين الأجور بنسب جنونية قصد كسب ود العمال، أو  أن تعفى الزيادات في الأجور من مساهمات الضمان الاجتماعي قصد كسب ود العمال و الأعراف معا.

المرحلة الثالثة : مرحلة التأزم الشامل (1984-1989) (6 سنوات)

المناخ :

·      توتر مختلف الأوجه  أي توتر اقتصادي و اجتماعي و سياسي
·      تأزم اقتصادي حاد نتيجة خلل متزايد على مستوى المالية العمومية المدفوعات الخارجية (انهيار فادح في سعر النفط  و تضخم قيمة الدينار بالنسبة للعملات الأجنبية الأساسية)
·      تصاعد الصراع على الخلافة
   
   منهجية التفاوض :

·      لا يمكن الحديث في هذه الفترة عن تفاوض حقيقي بين الأطراف الاجتماعية حول الأجور، إذ وقع كسر النقابة العُمالية كسرا ساحقا لم يسبق له مثيل لا في تونس المستعمرة و لا في تونس المستقلة.
·      تجميد شبه كلي لمجمل الأجور إلا في ما شذ (استمرار تحيين الأجور الدنيا بنسب متواضعة للغاية)

الانعكاسات :

·      انهيار فادح في الطاقة الشرائية لكل الشغالين ينسق يقارب 4% سنويا
·      "عودة حليمة لحالتها القديمة"، أي أن القدرة الشرائية لأغلب الأجراء تراجعت إلى المستوى الذي كانت عليه في أواسط السبعينات. و يعني ذلك أن الشغالين خسروا بالكامل ما تحصلوا عليه بصعوبة وشقاء في المرحلة السابقة.

العبر :

·      خطورة الانسياق في المتاهات الديماغوجية كتحيين الأجور بصفة عشوائية أو تحيين أسعار الخبز بنسق خيالي (وجود الاتحاد في حالة تسلّل خلال انتفاضة الخبز سنة 1984).
·      خطورة التداخل المطلق بين الاقتصاد من ناحية و السياسة من ناحية أخرى
·      خطورة تفكك و تشتت الصف النقابي بفقدان الاتحاد كثيرا من قدرته الضغطية


المرحلة الرابعة : مرحلة الانفتاح (1990-2007) (18 سنة)

المناخ :

·      انفتاح السوق المحلية على مصراعيها أمام السلع الأجنبية
·      استبدال الطلب الداخلي بالتصدير كمحرك أساسي للاقتصاد
·      تغير عميق في الرؤية للأجر، إذ أصبح ينظر إليه لا ككلفة و دخل في نفس الوقت، و إنما ككلفة فقط وجب تقليصها أقصى ما يمكن لمجابهة المنافسة (فُقدت الرؤية  للأجر من زاوية الطلب و لم يعد يُنظر إليه إلا من زاوية العرض)

   منهجية التفاوض :

·      بعد ما كان التفاوض حول الأجور في المرحلة الثانية تفاوضا سنويا لاحقا أصبح التفاوض حول الأجور في هذه المرحلة الرابعة تفاوضا سابقا لمدة ثلاثة سنوات، و يعني ذلك أن التفاوض أصبح هدفه إبرام اتفاق بين الأطراف الاجتماعية حول تحيين الأجور لمدة ثلاثة سنوات.
·      في هذه المرحلة لم تعد تحيينات الأجور تعتمد مؤشرات اقتصادية موضوعية , و إنما اقتراحات ذاتية عشوائية،  نادرا ما تأخذ بعين الاعتبار الظرف الاقتصادي
·      في هذه المرحلة لم تعد تحيينات الأجور تعتمد نسب زيادات تُعمم على كل شرائح الأجراء و إنما زيادات جزافية يختلف حجمها من شريحة عمالية إلى أخرى.
·      نادرا ما تشمل المفاوضات حول الأجور تحيين المنح أو زيادات الترقية من رتبة إلى أخرى
·      لا تشمل أبدا المفاوضات حول الأجور جوانب أخرى تهم الأجراء و لو بصورة غير مباشرة كنسب المساهمات في صناديق الضمان الاجتماعي أو حجم المنافع من هذه الصناديق أو سلم الأداءات على الأجور أو غيرها    

     
الانعكاسات :

·      يبدو ظاهريا أن المفاوضات التي حصلت خلال 18 سنة الماضية 1990-2007 أدت جملة إلى تحسن طفيف في القدرة الشرائية للأجراء. لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار الخلل الذي كان و لا زال يشكو منه مؤشر أسعار الاستهلاك (تقدير نسق التضخم دون الواقع)  فإنه بالإمكان الاستنتاج أن القدرة الشرائية للأجراء تدرجت في مجملها نحو الاستقرار. و يعني ذلك أن المفاوضات التي أجريت خلال 18 سنة الماضية نجحت في التصدي لتدهور الطاقة الشرائية للأجراء دون أن تنجح في تحسين هذه الطاقة الشرائية.
·      و إذا أخذنا بعين الاعتبار الفئات الضعيفة و المتوسطة من الأجراء على حدة فإنه يظهر أن قدرتهم الشرائية تدرجت نحو الاستقرار في المستوى الذي كانت عليه في أوائل التسعينات بل في المستوى الذي بلغته في النصف الثاني من السبعينات. و يعني ذلك أن كل النضالات النقابية التي حصلت خلال الثلاثين سنة الماضية لم تكن مجدية للارتقاء بهذه الشرائح من الأجراء إلى مستوى عيش أفضل.  
·      أما بالنسبة لفئة الإطارات العليا من الأجراء فإنه يبدو أن طاقتهم الشرائية تدرجت نحو التدهور بشكل مسترسل و ملحوظ، و ذلك منذ أواسط السبعينات. و يقال أن هذا التدرج لا يعبر في حقيقة الأمر عن الواقع المعاش نظرا لكون الإطارات العليا تتقاضى أجورا تفوق بكثير الأجور المنصوص عليها بالاتفاقيات المشتركة. و إن صحَ هذا الكلام فإن هذه الظاهرة من شأنها أن تبث عقلية المرتزقة بين صفوف الإطارات العليا و أن تبوأ أغلبهم إما لأن يكونوا من الأنصار (أنصار الأعراف أو السلطة أو الاثنين معا) و إما لأن يكونوا من المهاجرين (مغادرة البلاد بسبب عدم الرضى عن هذا الواقع). و في كل الحالات فإن هذه الظاهرة لا يمكن إلا أن تكون مضرة للبلاد (هجرة النخب بكثافة) و العباد (ركود القدرة الشرائية لأغلب شرائح الأجراء) ممّا قد يؤثّر على الانتساب العمالي للاتحاد  ويفقده نخبه المفكّرة والمنظمة.
·      بسبب تحيين الأجور لا على أساس نسب مئوية تعمم على كل الأجراء و إنما على أساس زيادات جزافية تختلف من أجير إلى آخر، تقلُص بشكل مذهل التباين بين أضعف الأجور و أرقاها. و يعني ذلك أن المفوضات الاجتماعية أدت إلى حد الآن إلى تقليص الشقة بين الأجراء أي إلى إرساء اشتراكية فقر، و الحال أن دور الاتحاد يتمثل بالأساس في تقليص الشقة بين الأجراء و بقية الفئات الاجتماعية الثرية أي في إرساء اشتراكية الرخاء.
·      ظاهريا يبدو أن الطاقة الشرائية لبعض شرائح الأجراء تحسنت مقارنة بما كانت عليه في أوائل التسعينات و بالتالي في أوسط السبعينات. و يعود هذا التباين بين ظاهر الأمور و باطنها إلى عدة أسباب منها 1) تزايد عدد النشطين في الأسرة  2) تمطط وقت العمل سواء داخل المهنة الأصلية أو خارجها 3) تعدد المهن 4) تعدد موارد الدخل (أجر مع كراء أرض أو محل، ربح من اشتراك في فلاحة أو تجارة، فائدة،) 5) تحويلات هامة مستفيدة منها الأسرة من ذويها المتواجدين في الهجرة 6) تراجع معدل الأفراد المكونين للأسرة 7) و خاصة التداين الفاحش للأسرة.               

العبر :

·      تبين المعطيات الإحصائية المتوفرة أن المفاوضات الاجتماعية التي وقع انتهاجها منذ ما يقارب العشرين سنة حالت دون تقهقر مستوى عيش الأجراء  غير أنها لم توفر لهؤلاء الأجراء منابهم مما تزايد من الثروة في البلاد. و يمكن لهذا التمشي أن يفرز على المدى البعيد مجتمعا مفرطا في الازدواجية قوامه أقلية ضئيلة تمتلك كل شيء، من ناحية، و جماهير عريضة تفتقد لكل شيء، من ناحية أخرى.
·      و يبين أيضا هذا النمط من التفاوض أن الاتحاد أُلهي بقضايا مادية فئوية شغلته عن الإعتناء بالقدر الكافي بالقضايا الوطنية المصيرية الكبرى. كالخصخصة و التشغيل بالمناولة  و الخلط المجحف بين الضمان الاجتماعي و التضامن الاجتماعي و جمهرة التعليم العشوائية و غيرها وهو ما يدعو المنظمة اليوم إلى استباق الأحداث وإلى تعامل استشرافي مع الواقع من أجل إكتساب  القدرة على الفعل فيه.
·      و تبين المعطيات المتوفرة أيضا أن هذا النمط من التفاوض الذي ساد في العشريتين الماضيتين لا يمكن أن يستمر و يستقيم إلا إذا توفر حد أدنى من الاستقرار أو شبه الاستقرار في المتغيرات الاقتصادية الأساسية كنمو الإنتاج و تزايد الأسعار وتوازن المالية العمومية و غيرها. غير أنه يُرتقب في السنين القادمة أن تصاب هذه المتغيرات بتطورات عشوائية حادة تفرض بالضرورة إعادة النظر في منهجية التفاوض حول الأجور.        


















نسق النمو السنوي للأجر الحقيقي* (القدرة الشرائية) لبعض
أصناف الأجراء الخاضعين للاتفاقية القطاعية "إكساء- زرد"

عامل صنف أ1
إطار متوسط صنف 8
إطار عالي صنف 17
1976-1983
8.2%
3.3
0.5%
1984-1989
-3.3%
-4.1
-4.2%
1990-2007
0.4%
0.3
-0.6%




1990-1992
-0.3%
0.5%
-0.6%
1993-1995
-0.2%
-1.2%
-2.3%
1996-1998
0.5%
0.3%
-1.0%
1999-2001
1.7%
1.9%
1.0%
2002-2004
0.9%
0.9%
0.4%
2005-2007
-0.1%
-0.3%
-1.1%
المصدر : "الاتفاقية القطاعية إكساء – زرد"
* يشمل هذا الأجر  الأجر القاعدي + مجمل المنح + الزيادات الناتج عن الترقية من درجة إلى أخرى 



القاسم بين أعلى أجر و أدنى أجر في قطاع "الإكساء و الزرد"


الأجر  العيني السنوي الخام الأعلى (1)
الأجر العيني السنوي الخام الأدنى (2)
القاسم (1) / (2)




1975
2 051
406
5.1
1990
5 100
1 869
2.7
2007
8 849
3 864
2.3
المصدر : "الاتفاقية القطاعية إكساء – زرد"
* يشمل هذا الأجر  الأجر القاعدي + مجمل المنح + الزيادات الناتج عن الترقية من درجة إلى أخرى 










مؤشر صافي الأجر الحقيقي* (القدرة الشرائية) (1990 = 100)

مجمل الأجراء
أجراء الوظيفة العمومية
مجمل الأجراء دون أجراء الوظيفة العمومية

1984
118.5
118.5
122.9
1990
100
100
100
2004
114.6
115.2
113.7
المصدر : تقديراتنا الشخصية اعتمادا على معطيات "حسابات الأمة" نشر المعهد القومي للإحصاء
** يشمل هذا الأجر  الأجر القاعدي + مجمل المنح + الزيادات الناتج عن الترقية من درجة إلى أخرى أو من صنف إلى آخر، و هذا الأجر صافي من الأداء على الأجور



نسق نمو صافي الأجر الحقيقي* (القدرة الشرائية)

مجمل الأجراء
أجراء الوظيفة العمومية
مجمل الأجراء دون أجراء الوظيفة العمومية

1985-1989
-2.5%
-3.1%
-3.0%
1990-2004
0.6%
0.9%
0.5%
1985-2004
-0.2%
-0.1%
-0.4%
المصدر : تقديراتنا الشخصية اعتمادا على معطيات "حسابات الأمة" نشر المعهد القومي للإحصاء
** يشمل هذا الأجر  الأجر القاعدي + مجمل المنح + الزيادات الناتج عن الترقية من درجة إلى أخرى أو من صنف إلى آخر، و هذا الأجر صافي من الأداء على الأجور. 








المرحلة الخامسة المُرتقبة : متاهات العولمة 

من أهم ما ينتظر اقتصاديا في السنين المقبلة :

·      انفتاح السوق المحلية على مصراعيها للسلع و الخدمات الأجنبية بدرجة تفوق ما حصل في العشريتين الماضيتين، و ذلك للأسباب التالية : 1) اتجاه المنظمة العالمية للتجارة لإرساء تحرير مطلق للمبادلات العالمية تخص لا فقط المواد الصناعية و إنما أيضا المواد الفلاحية و الخدمات  2) انفتاح مطلق على الاتحاد الأوروبي الذي ما انفكت أعضاؤه تتكاثر  3) تعدد اتفاقيات التبادل الحر الذي ما انفكت تبرمها تونس مع بلدان ومناطق مختلفة من العالم   4) تصاعد الواردات العشوائية من بلدان آسيا الشرقية-الجنوبية كالصين و الهند و غيرها.
·      ارتفاع حاد و مسترسل في أسعار الطاقة لا لأسباب ظرفية و إنما لأسباب هيكلية نذكر منها بالخصوص  1) تدرج طاقة حقول النفط التقليدية ذات كلفة الاستغلال المتواضعة نسبيا نحو الاستقرار بل نحو الهبوط في بعض الأحيان و تعويضها بحقول طاقة ذات كلفة استغلال مرتفعة للغاية و المتواجدة بالخصوص في المحيطات و القطبي الشمالي والجنوبي 2) تعرض المناطق العالمية المحتوية لحقول النفط التقليدية لمواجهات وتوترات سياسية و عسكرية حادة و مسترسلة كمنطقة الخليج العربي و آسيا الوسطى وإفريقيا الغربية و الشرقية، و أمريكا الجنوبية  3) تصاعد طلب الطاقة بنسق سريع من طرف بلدان عملاقة كالهند و الصين لا لتسديد حاجيات الإنتاج فقط و إنما أيضا لتسديد حاجيات الاستهلاك.
·      ارتفاع حاد و مسترسل في أسعار جلَ المواد الغذائية الاستراتيجية المستوردة كالحبوب و مشتقاتها (و خاصة القمح اللين) و الزيوت النباتية (وخاصة زيت السوجا) و الأعلاف الحيوانية (و خاصة الذرة و الشعير و فوا ضل السوجا و الحبوب) و بالتالي المواد الغذائية الحيوانية (و بالخصوص اللحوم البيضاء والبيض و الحليب و مشتقاته). و تعود هذه الظاهرة إلى   1) تسخير عدد من البلدان جزءا هاما من فوائضها في هذه المواد النباتية الاستراتيجية لإنتاج المحروقات البيولوجية  2) تصاعد طلب هذه المواد من طرف بلدان ذات كثافة سكانية عالية كالصين و الهند و غيرها 
·      ارتفاع هام في أسعار مجمل السلع و الخدمات المُنتجة محليا لكون إنتاجها يحتاج بدرجات متفاوتة للطاقة
·      تدهور فادح و سريع في قيمة الدينار نتيجة تصاعد التضخم المالي، و هو ما سينعكس سلبيا و بصورة جدلية على أسعار الاستهلاك المحلية و على ميزان المدفوعات الخارجية.
·      تجاذب الدولة بين نارين 1) الإبقاء على تعويض المواد الغذائية يضاف إليه تعويض المحروقات، وهو من شأنه أن يحدث خللا لا يطاق على مستوى المالية العمومية         2) أو حذف التعويض بالكامل سوى على الأغذية أو المحروقات، وهو من شأنه أن يتسبب في ارتفاع فاحش لا يطاق في أسعار الاستهلاك و بالتالي في قلاقل اجتماعية مزعجة للغاية.

و أهم ما يبرز من هذه المؤشرات ضياع التحكم في المرحلة المقبلة في المقومات الأساسية للاقتصاد الوطني كالإنتاج و الأسعار و المدفوعات الخارجية و المالية العمومية.


استراتيجيات الاتحاد الممكنة في المرحلة القادمة            

في هذا الخضم المشحون بالأخطار و التحديات تتوفر للاتحاد أربعة استراتيجيات ممكنة :

·      استراتيجية 1) إبقاء الاتحاد على دوره الحالي بمواصلة التفاوض الثلاثي السابق بغاية التصدي لتدهور الطاقة الشرائية للعمال. غير أن الإبقاء على هذه الاستراتيجية يتضمن عدة مخاطر للاتحاد و الشغالين منها  أ) فشل الاتحاد فشلا ثابتا و تاما في التصدي لتدهور القدرة الشرائية للأجراء، ذلك أن الارتفاع الفادح في أسعار الاستهلاك مبوبا لالتهام الزيادات الثلاثية في الأجور في بعض الأشهر لا في بعض السنوات كما كان الحال من قبل    ب) تزايد التوتر بشكل حاد لا فقط بين الاتحاد، من ناحية، و السلطة و الأعراف، من ناحية أخرى، و إنما أيضا و خاصة داخل الاتحاد  ت) فقدان الاتحاد لقسط وافر من قواعده، ذلك أن العامل العادي يهجر المنظمة إن لم يعد يجد فيها ضالته  ث) تزايد تهميش الاتحاد من طرف الدولة في مناخ متسم بتواتر اتخاذ القرارات المصيرية للبلاد، بحشر وظيفته في التفاوض الدوري حول الأجور وتشريعات الشغل.
·      استراتيجية 2) إعادة النظر من طرف الاتحاد في منهجية التفاوض بصورة جذرية و ذلك بغاية ضمان أقصى ما يمكن من المكاسب للشغالين. و في هذا السياق يمكن مثلا    أ) استبدال التفاوض السابق لمدة ثلاثة سنوات بتفاوض لاحق سنوي أو كلما اقتضت الحاجة لتحيين الأجور  ب) استبدال تحيين الأجور على أساس زيادات جزافية بتحيين على أساس زيادات نسبية  ت) تحديد الزيادات النسبية في الأجور باعتماد مؤشرات اقتصادية موضوعية كمؤشر الأسعار و نمو الناتج المحلي و حالة المالية العمومية و غيرها  ث) جعل المفوضات أكثر شمولية كأن تمس لا فقط الأجر القاعدي وإنما أيضا مجمل المنح و مؤشر الأسعار و العبء الجبائي و الفوائد و المساهمات في الضمان الاجتماعي. و يستلزم هذا النمط من التفاوض تعبئة شاملة للقواعد النقابية وتوعية و يقظة مستمرة لهذه القواعد، علما و أن هذه المنهجية في التفاوض لا تتلاءم دائما مع ميزان القوى السائد اليوم بين الأطراف الاجتماعية. و يُخشى أن يُفرز هذا النمط من التفاوض اصطدامات عنيفة بين الأطراف الاجتماعية تلهي عن الإنتاج و تضعف الاتحاد. كما يُخشى من هذا النمط من التفاوض تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة و التالي تصاعد البطالة، و ذلك بسبب تضخم فادح في الأجور ككلفة مقارنة بالأجور السائدة في بلدان مشابهة.
·      استراتيجية 3) دعوة الاتحاد كل الأطراف الاجتماعية الفعَالة (الدولة، نقابات الأعراف، مكونات المجتمع المدني الهامة) لسنَ "ميثاق اجتماعي جديد" يتماشى مع مقتضيات المرحلة المقبلة، وهي مرحلة مشحونة بالأخطار و التحديات، يخشى أن تفقد فيها مجمل الأطراف الاجتماعية التحكم في الأسس الهامة لاقتصاد البلاد كالإنتاج والأسعار و المدفوعات الخارجية و المالية العمومية. و يُرمى من وراء هذا "الميثاق الاجتماعي الجديد" تحديث العلاقات بين الأطراف الاجتماعية كاستبدال الرياء والضبابية بالصراحة و الشفافية، واستبدال التطاحن و المزايدة بالتضامن و العقلانية، كما يهدف هذا "الميثاق" إلى تجديد العلاقة بين الدولة و المجتمع بإرساء علاقة قوامها الحقوق-الواجبات عوض علاقة قوامها الامتيازات المجحفة-الولاء المطلق. ويمكن لهذا الميثاق أن يُعتمد لا فقط في التفاوض حول المصالح الحينية الفئوية و إنما أيضا في الحوار و التشاور حول قضايا الوطن المصيرية.
·      استراتيجية 4) تكريس جهد الاتحاد بكل حزم لا فقط للمفاوضات الفئوية العرضية و إنما أيضا و خصوصا لتجفيف منابع الحيف الاجتماعي. و في هذا السياق وجب على الاتحاد بذل أقصى جهد في التعبئة و التوعية للتفاعل بنجاعة مع عدة قضايا مختلفة الأوجه منها  أ) قضايا نقابية بحتة كالحق النقابي و التصنيف المهني للشغالين وتقنين التشغيل بالمناولة وغيرها  ب) قضايا نقابية-سياسية كأنماط التشغيل والخصخصة والجباية و الضمان الاجتماعي و الصحة و التعليم و التكوين المهني و غيرها  ت) قضايا سياسية بحتة كمقامة الفساد و سوء التصرف و الديماغوجية و المعاملة بمكيالين وغيرها. و إن نجح في تكريس هذه الاستراتيجية يمكن للاتحاد استرجاع دوره التاريخي لا فقط كحامي لمصالح الشغالين و إنما أيضا كسلطة مضادة تساهم بقسط وافر في تعديل المجتمع و تطوره و رخاءه ./.
                                                                             حسين الديماسي
                                                                                                  مارس 2008     
رابط للتحميل:
1- https://skydrive.live.com/?cid=b210c046c1cac62a#!/view.aspx?cid=B210C046C1CAC62A&resid=B210C046C1CAC62A%21706
2- https://skydrive.live.com/redir.aspx?resid=B210C046C1CAC62A!706


        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق