2013/06/20

مذكّرة حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي ” من أجل إصلاحات جديّة وعاجلة ”

مذكّرة حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي ” من أجل إصلاحات جديّة وعاجلة ”

على الرغم من تحسن معدل النمو الاقتصادي خلال عام 2012 ببلوغه 3.5 % إلا أن العديد من المؤشرات الأخرى تؤكد أن الاقتصاد التونسي يمر بمرحلة دقيقة وحساسة خصوصا مع بلوغ عجز الميزانية 6.6 % والمديونية إلى  41.6 %، وتراجع نسبة تغطية الصادرات للواردات إلى حدود 63.8 % سنة 2012 بعد أن كانت في حدود 75.6 % في 2011 مما يعني بأن نمو الواردات تضاعف ثمانية مرات مقارنة بنمو الصادرات كما وصلت نسب التضخم إلى 6 % مع ارتفاع مشط في الأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 8.6%.
إن الانحدار المتواصل للمؤشرات الاقتصادية وعدم التحرّك العاجل للحد من التراجع المذهل للقطاعات الحيوية وأثره على آفاق التنمية والتشغيل ينبئ بصعوبات اقتصادية قد يتواصل تأثيرها خلال السنوات القادمة ورغم بعض المعطيات التي تشير إلى انخفاض نسب البطالة إلى حدود 16.7 % إلا أن ذلك لا يرجع إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية وإنما هو راجع بالأساس إلى خلق مواطن شغل هشة في القطاع الغير منظم والإدارات وبالتالي فان انعكاساته ستكون وخيمة مما قد يرفع من درجات الاحتقان الاجتماعي ويخيب الآمال في تحقيق أهداف الثورة خصوصا في ظل فشل مختلف برامج التشغيل وبطء نسق انجاز المشاريع التنموية بالجهات.
إن مجمل المؤشرات تؤكد بان العام 2014 سيشهد المزيد من الصعوبات إذا لم تتحرك الحكومة للقيام بإصلاحات على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإذا لم يكن هناك حرص على تدعيم النسيج الاقتصادي والتنظيم المؤسساتي والتجانس الاجتماعي إذ أن الأداء الحكومي الحالي لم يرتق بعد إلى مستوى الرهانات والتحديات التي أعقبت الثورة.
إننا في الاتحاد العام التونسي للشغل على قناعة بأن الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق الانتعاشة يمر حتما عبر سن حزمة متكاملة من الإصلاحات على الصعيدين الاجتماعي والسياسي زيادة على الإصلاحات الاقتصادية وباعتماد منهجية تشاركية تفتح المجال لمختلف الأطراف للمساهمة في عملية التنمية وفي تحقيق أهداف الثورة وهو ما يتطلب أولا إحكام التنسيق بين الوزارة ووضوح الرؤية.
I – الإصلاحات العاجلة
1- إصلاح منظومة الحوكمة
من الخطوات الضرورية لتحقيق الانتعاشة الاقتصادية العمل على إصلاح منظومة الحوكمة وذلك عبر تحسين مستويات الشفافية المالية والإدارية ومقاومة مختلف أشكال الفساد في جانبيه الإداري والمالي إذ أن تراجع التصنيف الائتماني السيادي لتونس وهبوط معدلات الشفافية والحوكمة لا يساعدان على تحقيق الانتعاشة المرجوة.
2-  استراتيجية التشغيل ذات أهداف كمية
لقد أبرزت سياسات التشغيل المعتمدة سابقا محدوديتها في خلق مواطن الشغل وذلك من خلال عدم قدرة النسيج الاقتصادي على استيعاب الأعداد المتزايدة من اليد العاملة وخاصة أصحاب الشهائد الجامعية زيادة على عدم ملائمة التكوين الجامعي والمهني لمتطلبات سوق الشغل  ولم يسجل إلى حد الآن تحرك في اتجاه تقييم جدوى هذه السياسات  وتحديد أسباب فشلها إضافة إلى ضرورة تقييم أداء الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل مع الحرص على صياغة إستراتيجية وطنية للتشغيل بطريقة تشاركية وذلك حسب ما اتفق عليه في العقد الاجتماعي.
3- الاصلاحات الجبائية
لقد ثبت أن المنظومة الجبائية في حاجة ماسة إلى إعادة النظر بإقرار التعديلات والتنقيحات الضرورية في اتجاه تحقيق العدالة الجبائية وذلك بمراجعة النظام الجزافي (التقديري) للعديد من الفئات المهنية والفئات الغير منتجة حتى تساهم في المجهود الجبائي الوطني ومكافحة التهرب الضريبي والتضليل الجبائي فمن غير المعقول أن يتحمل الأجراء وخاصة الموظفين الجزء الأكبر من الضرائب.
4- القطاع المالي
يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل على ضرورة إعادة هيكلة القطاع المالي ضمانا لمساهمته الفعالة في تمويل الاقتصاد وتدعيما لثقة الفاعلين الاقتصاديين كما يطالب الاتحاد بضرورة فتح ملف الديون الخارجية لبلادنا وإعلام الرأي العام بالقروض الجديدة وبشروط إسنادها إضافة إلى مختلف البرامج الإنمائية المشتركة مع المؤسسات المالية أو مع الحكومات سواء كانت في شكل هبات أو قروض وذلك مع التأكيد على وجوب تقييم مصير الديون السابقة ومجالات صرفها واستحقاقات الديون الجديدة.
كما يرى الاتحاد انه من الضروري اليوم الحرص على ترشيد نفقات الدولة حيث بينت ميزانية عام 2013 أنه لم يتم التخفيض في قيمة النفقات العمومية مقارنة بالسنوات الماضية مما يطرح سؤالا حول مدى فاعلية وشفافية مجالات الإنفاق العمومي خاصة في ظل فساد النظام السابق كما يجب اعتماد سياسة تقشف على كل المستويات وخاصة على مستوى أجور كبار المسؤولين.
5-  انقاذ المؤسسات العمومية
يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الباب على وجوب إعداد خطة للإحاطة بالمؤسسات وتمكينها من مواصلة نشاطها حفاظا على مواطن الشغل وتدعيما لدورها الهام في التمويل العمومي فالعديد من هذه المؤسسات مهدد بالإفلاس إذا ما تواصل غياب استراتيجية واضحة لإنقاذ المؤسسات الوطنية الكبرى التي تعرف صعوبات والعمل على تنميتها ودعمها وعصرنتها وتجنب إثقال كاهلها بالانتدابات الغير مدروسة.
6- الاستثمار
يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى اعتماد سياسة واضحة لدعم الاستثمار في الجهات الداخلية مع ضرورة سن تشجيعات فعلية تنسجم مع المقاربة التنافسية للاقتصاد التونسي كما يتوجب على الدولة أن تلعب دورها كفاعل اقتصادي أساسي سيما في الجهات الداخلية التي لا يتركز فيها القطاع الخاص.
ويدعو الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا المجال المجامع الاقتصادية وعموم رجال الأعمال التونسيين الى تحمل مسؤولياتهم التاريخية في الاستثمار في الجهات الداخلية وبعث المشاريع المشغلة و القادرة على خلق التنمية بالمناطق المحرومة.
كما يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل بأن إقرار مجلة جديدة للاستثمار لن يكون ذا جدوى في غياب رؤية واضحة للجهات والقطاعات الواعدة ودون تحديد أهداف كمية للنمو والتشغيل للسنوات المقبلة.
كما ينبه الاتحاد العام التونسي للشغل الى ان برنامج الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص برنامج مقنع للخوصصة مبديا استغرابه من طرح هذا المشروع في ظل عدم صياغة منوال تنموي جديد  ومع غياب تصور شامل لمستقبل البلاد ولخياراتها الاقتصادية.
7-  البنى التحتية والمشاريع الكبرى
يرى الاتحاد العام التونسي للشغل أن تحسين الأوضاع الاقتصادية يمر حتما عبر تدعيم البنية التحتية حتى تتماشى مع الخيارات الاقتصادية السالفة الذكر وخاصة المتعلقة بالتنمية الجهوية والتشغيل لان افتقار العديد من الجهات وخاصة الداخلية للبنى التحتية الأساسية يعسر من إمكانات جلب الاستثمار ويعيق التنمية كما يؤكد الاتحاد  العام التونسي للشغل على ضرورة تكفل الدولة بانجاز المشاريع الكبرى ويقترح في هذا المجال:
 إقامة الطرقات السيارة التي ستؤمن الربط بين الجهات الداخلية (القيروان، قفصة، سيدي بوزيد، القصرين، الكاف، سليانة، جندوبة).
 جلب مياه الشمال عبر قنوات كبرى أو نهر صناعي إلى جهات سيدي بوزيد وقفصة والقصرين وتوزر.
 بعث ثلاثة محطات لتحلية المياه بكل من الوطن القبلي والساحل والجنوب.
 بناء محطتي توليد للكهرباء.
 انجاز مشروع القطار السريع يربط شمال البلاد بجنوبها.
 بعث محطات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بولايتي تطاوين وقبلي.
ويؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل على ضرورة الاهتمام بالأمن المائي ويعتبره حجر الأساس للأمن الغذائي ويطالب في هذا المجال بحل مشكل المياه الذي تعاني منه العديد من المدن والجهات بالجنوب والتونسي وذلك بإقامة قنوات كبرى تربط بين منابع المياه والسدود بالشمال والجنوب وهو استثمار ضروري لدعم القطاع الفلاحي ومجابهة ندرة المياه بالجنوب التونسي كما يقترح الاتحاد في هذا المجال ضرورة التفكير في تطوير الإمكانات والتجهيزات المتعلقة بتحلية مياه البحر خصوصا وان هذه التجربة قد أثبتت نجاحها في العديد من البلدان .
8- ملف المديونية
إن تعامل الاتحاد العام التونسي للشغل مع ملف الاقتراض بمختلف أشكاله ومصادره يقوم على مبدأ بسيط وهو أن الإشكال ليس في الاقتراض ولكن في الاستعمال الفعّال للقروض لتحقيق أهداف واضحة تمكّن من خلق الثروات والرفع من مستوى عيش المواطن.
ويطالب الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة فتح ملف الديون الخارجية لبلادنا وإعلام الرأي العام بالقروض الجديدة وبشروط إسنادها إضافة إلى مختلف البرامج الإنمائية المشتركة مع المؤسسات المالية أو مع الحكومات وسواء كانت هبات أو قروضا وذلك بالتأكيد على وجوب تقييم مصير ومجالات صرف الديون السابقة واستحقاقات الديون الجديدة مع الدعوة إلى التفكير في أشكال جديدة لتمويل المشاريع الاقتصادية.
كما يذكر الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة الابتعاد عن مصادر التمويل المكلفة والمشروطة لبعض الدول.
وبخصوص القروض الاخيرة فان الاتحاد العام التونسي للشغل يذكر بمعارضته لأي تمشي يغيب عنه الجانب الاجتماعي وحماية الفئات الضعيفة من الشغالين والعاطلين عن العمل و ان اي اصلاح يجب ان يراعي خصوصية هذه المرحلة ويكون موجها بالأساس الى التشغيل والتنمية الجهوية.
كما يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل ان القروض لا يجب ان تستعمل في اي حال من الاحوال لتمويل السياسات الشعبوية ولتغطية العجز في الموارد الناتج عن تردد الحكومة في إدخال الإصلاحات الاقتصادية الضرورية لمنظومة الجباية  والقطاع المالي .
II – الإصلاحات السياسيّة
ترتكز الإصلاحات السياسية على ضرورة التعجيل باستكمال الدستور وصياغة خارطة طريق للمحطات السياسية القادمة ( تحديد موعد للانتخابات، إعداد القانون الانتخابي، بعث الهيئات المستقلة) إضافة إلى الحرص على تنقية مناخ الأعمال.
كما تقتضي هذه الإصلاحات توضيح عدد من المسائل كملف رجال الأعمال التونسيين الممنوعين من السفر بتوضيح أسباب المنع القانونية وهذه المسألة في علاقة متينة بانكماش رأس المال الوطني وعدم رغبته في الاستثمار خاصة في الجهات الداخلية.
كما أبرزت العديد من الأحداث سواء التي شهدتها جهة سليانة أو بعض الجهات الأخرى عدم كفاءة المسؤولين في الوزارات والولاة والمعتمدين الذين عينوا أخيرا على قاعدة الانتماء الحزبي وليس على قاعدة الكفاءة.
1- تدعيم الأمن
يتخذ الجانب الأمني أهمية بالغة في دفع عجلة التنمية فالعديد من القطاعات والفئات تواجه اليوم معاناة حقيقية في ممارستها للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل مناخ من العنف والتطرف والإقصاء وإلغاء الآخر مما  يعطي صورة نمطية لواقع الحريات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الثقافية والاكادمية إذ هي في ارتباط وثيق.
ويطالب الاتحاد في هذا الإطار بتطبيق القانون بصرامة ضد الجريمة المنظمة والعنف السياسي ومكافحة انتشار الأسلحة والمخدرات والإرهاب.
2- تدعيم المصداقية
من المؤكد أن مصداقية النظام السياسي وخصوصا الحوكمة الرشيدة والشفافية من المقاييس الأساسية للحكم على مدى نجاح الثورة في القطع مع الأشكال والسياسات السابقة إذ انه من الضروري اليوم الحرص على تدعيم المصداقية  أولا في كل ما يتعلق بالمعلومات والمؤشرات الاقتصادية والإحصائيات التي كان النظام السابق يتلاعب بها عبر ضغطه على البنك المركزي وعلى المعهد الوطني للإحصاء وعلى بقية المؤسسات التي يفترض أن تحظى بقدر عال من الاستقلالية والمصداقية لهذا يرى الاتحاد العام التونسي للشغل أنه في تدعيم استقلالية وحياد البنك المركزي و المعهد الوطني للإحصاء و بقية المؤسسات تدعيم لمصداقية الدولة ولشفافيتها وضمانا لحق مختلف الفئات في النفاذ إلى المعلومة من المهم أن تتجنب الحكومة تقديم قراءة غير موضوعية للمؤشرات الاقتصادية يمكن أن تغالط الرأي العام.
3- هيبة الدولة واحترام القانون
مجمل التجاوزات المسجلة في الفترة الانتقالية رسمت صورة مشوشة لهيبة الدولة إذ أن القطع مع الدكتاتورية لا يعني ضرورة القطع مع مؤسسات الدولة وهياكلها فتجاهل العديد من الممارسات والظواهر السلبية أدى إلى استفحالها حتى باتت تهدد امن المواطنين واستقرارهم زيادة على تهديدها لمكتسباتهم التاريخية من حرية ومساواة، لقد ساهم التعامل السلبي مع ظواهر العنف والتطرف والإرهاب والاغتيالات  في ضرب هيبة الدولة والتطاول عليها. ويعتبر اغتيال الشهيد شكري بالعيد دليلا على ما وصلت إليه الأمور في بلادنا كما أن العمليات الإرهابية التي يشهدها جبل الشعانبي هي كلها دلائل على تراجع هيبة الدولة وعلى عدم احترام القانون وهذا الجانب لا يمس أمن المواطنين فحسب وإنما يضرب في العمق كل مكتسبات الثورة ويهدد مسار الديمقراطية بالانزلاق في متاهات العنف والفوضى وقانون الغاب.
4- جودة الحياة
تشهد هذه الفترة تراجعا جليا لمقومات جودة الحياة سواء على المستوى البيئي بسبب ارتفاع حجم التلوث وتراكم الفضلات في العديد من المدن وانتشار مصبات الفضلات العشوائية وغير المراقبة أو كذلك على مستوى المنتوجات الاستهلاكية من جهة ندرتها حيث سجلنا خلال الفترة الماضية نقصا ملحوظا  في  العديد من المواد الغذائية والاستهلاكية.
ويدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى ضرورة القيام بإصلاحات جذرية للخدمات البلدية وتوفير التمويلات الضرورية لتحسين الخدمات المقدمة للمواطن في مجال الصحة والنقل وغيرها من الخدمات البلدية ومن مظاهر تدني جودة الحياة الارتفاع المتواصل لنسب الفقر الذي أصبح يتهدد الفئات المتوسطة الدخل حيث بلغت النسبة حاليا 24.6 % وهي مرشحة للارتفاع في السنوات المقبلة.
كما أن العديد من المواطنين يعيشون أوضاعا نفسية متأزمة وإحباطا جراء تدني ظروف الحياة والارتفاع المشط للأسعار من جهة والأجواء المشحونة وانعدام الأمن وضبابية الرؤية من جهة أخرى.
5- السياسة الخارجية
إن حساسية المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادنا تقتضي اعتماد سياسة خارجية نشيطة قادرة على جلب الاستثمارات الأجنبية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية وبخاصة في الجهات الداخلية كما تستدعي كذلك وضع برامج متكاملة وخطط لجلب المستثمرين الأجانب وتحسين صورة تونس في الخارج مما من شانه أن يحسن من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية ويدفع قطاع السياحة.
6- الخطاب السياسي
يبقى الخطاب السياسي احد العوامل المطمئنة للرأي العام الداخلي والخارجي كما يمكن أن يلعب دورا معاكسا إذا تلون بالشعبوية أو التحريض أو التسويق الحزبي وهو ما يدفعنا للإشارة إلى ضرورة التفريق بين الخطاب السياسي والخطاب الحزبي والى توجيه الخطاب السياسي للحكومة الوجهة التوفيقية وتضمينه أقصى درجات المصداقية، كما يدعو الاتحاد إلى الكف عن الخطابات التحريضية وتجيش الشارع والدعوات للتكفير أو تغيير النمط المجتمعي.
7- صياغة الدستور وخارطة طريق للمرحلة القادمة
يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل على وجوب صياغة دستور يعكس أهداف الثورة التونسية من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، دستور يضمن العدل والمساواة والديمقراطية ويجذر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها الحق النقابي وحق الإضراب، دستور يعلي من قيمة القانون ومن مؤسسات الدولة وهياكلها ويقصي الفساد والمحسوبية، دستور يضمن مدنية الدولة وديمقراطية تسييرها.
ويؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل على ضرورة دسترة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي خاصة في غياب  التنصيص على بعث المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
كما يشدد الاتحاد العام التونسي للشغل على ضرورة صياغة خارطة طريق للمحطات السياسية القادمة مما من شانه أن يشكل رسالة مطمئنة للكافة التونسيين وللمستثمرين التونسيين والأجانب.
III – الإصلاحات الاجتماعية
تبقى الإصلاحات الاجتماعية إحدى الأعمدة الأساسية في الإصلاحات الاقتصادية إذ يجب الحرص على  إقرار إصلاحات اجتماعية بغاية تحسين انخراط مختلف الفاعلين الاقتصاديين في عملية الإنتاج وفي منظومته إذ أن تواصل الاحتقان وتنامي الشعور بالعزلة والتفرقة يحد بشكل كبير من الانتعاشة الاقتصادية.
1- الصناديق الاجتماعية
يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى المراجعة الشاملة لأنظمة الضمان الاجتماعي بمختلف فروعها على ضوء دراسة يقع إنجازها تحت إشراف لجنة قيادة تضم الأطراف الاجتماعية الممضية على العقد مع تشريك الأطراف المهنية التي لها علاقة مباشرة في مختلف أطوار الدراسة كلّما دعت الحاجة وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقة لتأزم الأوضاع المالية والخدمية للصناديق بهدف إقرار الإصلاحات المناسبة مع المحافظة على مستوى قاعدي أدنى وفقا للنظام التوزيعي كما يدعو الاتحاد غالى ضرورة الحفاظ على التوازنات المالية لأنظمة الضمان الاجتماعي مع تحسين مردودية التوظيفات والاستثمارات والعمل على تنويع مصادر التمويل وإرساء منظومة حوكمة رشيدة في إدارتها.
2- صندوق الدعم
يرى الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الإطار ضرورة فتح ملف الدعم حتى يتم توجيهه إلى مستحقيه من الطبقات الفقيرة والطبقات الوسطى وذلك ضمن إستراتيجية وطنية لإنعاش الاقتصاد والتقليص من الفوارق مع الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وذلك بتشريك الأطراف الاجتماعية والتوافق حول الإصلاحات الواجب إتباعها وفي آليات تسيير وإدارة صندوق الدعم وتنويع مصادر تمويله ويرى الاتحاد أن الإجراء القاضي بخصم 1 % من أجور الأشخاص الطبيعيين الذين يتجاوز دخلهم الشهري الصافي 1700 دينار دون استشارة الأطراف المعنية يبقى إجراء ظرفيا لا يفي بالحاجة زيادة على كونه غير مدروس ويمس بالعدالة الجبائية وفي هذا الإطار يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التدقيق في دعم المحروقات وذلك بالتدقيق في موازنات الشركات التالية (المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، الشركة التونسية لصناعات التكرير والشركة التونسية للكهرباء والغاز) وكذاك التدقيق في منظومة دعم الزيت النباتي والسكر.
3- الحوار الاجتماعي والحق النقابي
يبقى الحوار الاجتماعي أداة أساسية لتنقية المناخ الاجتماعي والتحاور حول مشاغل العمال وتشريكهم في بلورة وتخطيط مستقبل مؤسساتهم لذلك يرى الاتحاد انه من الضروري مأسسة الحوار الاجتماعي ودسترته عبر تأسيس المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي نص عليه العقد الاجتماعي وتضمين الحق النقابي وحق الإضراب صلب الدستور الجديد.
وفي هذا الإطار يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تفعيل الحوار الاجتماعي داخل المؤسسات ويدعو جميع الأعراف إلى احترام الحق النقابي وتطبيق الاتفاقيات المبرمة والالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بالعمل اللائق والصحة والسلامة المهنية.
4- البرامج الاجتماعية
من الضروري إعادة النظر في مختلف البرامج الاجتماعية خاصة من جهة الفئات المنتفعة بها حيث لا توجد إلى حد الآن إحصائيات ومعطيات دقيقة حول عددها وتوزيعها الجغرافي مما يجعل هذه البرامج محدودة الفائدة لا تمس الشرائح المعنية وتفتح باب التأويلات حول إمكانيات استغلال هذه البرامج لأهداف حزبية وانتخابية، كما يجب الإسراع بإيجاد الحلول لكل العاملين بالحضائر وبمختلف الآليات وبالمناولة في القطاع العام وفي القطاع الخاص.

5- التعليم والتكوين المهني والتشغيل
على المدى البعيد لا مفر من إعادة النظر في برامج التعليم والتكوين المهني وربطها بالتشغيلية فهذه الحلقة ضلت مفقودة في العقود الأخيرة مما ساهم في ارتفاع نسب البطالة ببلادنا حيث أصبحت السياسة التعليمية وسياسة التكوين المهني تنتج عاطلين يصعب إدماجهم في سوق الشغل وهذا فضلا عن سياسات التشغيل العقيمة والمنفصلة عن حلقتي التعليم والتكوين المهني.
IV- المقاربة القطاعية للإصلاحات الاقتصادية
يطالب الاتحاد بضرورة توضيح المقاربة القطاعية للإصلاحات الاقتصادية في عدد من القطاعات الإستراتيجية والحيوية وفي الشركات والمؤسسات العمومية الكبرى التي تشهد العديد من الإشكاليات.

1- إنقاذ المؤسسات المالية
يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الإطار على ضرورة الاهتمام بالمؤسسات المالية  والبنكية وخاصة البنوك العمومية التي تعاني من عديد الصعوبات ومن تراكم الديون مما يفرض إجراء تدقيق شامل لهذه البنوك واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحسين موازناتها والتقليص من ديونها مع وجوب التشاور حول مستقبل البنوك العمومية وبخاصة ما يطرح حاليا حول إدماج البنوك العمومية الثلاثة.
2- قطاع الفلاحة
من المهم ايلاء قطاع الفلاحة مزيدا من الاهتمام خاصة وانه يعاني من تهميش أصحاب العمل والعاملين به وارتفاع نسب الفقر حيث أن 75% من الفقراء موجودون في الوسط الريفي إضافة إلى غياب الحلول الجدية لعديد الملفات العالقة على غرار شركات الإحياء ومسألة الأمن الغذائي والإنتاج الفلاحي.
ويعتبر قطاع الفلاحة من القطاعات الواعدة على مستوى خلق مواطن الشغل إلا أن البرامج الهادفة إلى الرفع من طاقاته التشغيلية ماتزال غائبة ومحتشمة.
وعلى مستوى الثروة الحيوانية يواجه القطاع العديد من المشاكل مما خلق أزمات على مستوى إنتاج الحليب والبيض والأغنام.
ويعاني القطاع الفلاحي من مشاكل هيكلية تتعلق بصغر حجم الأراضي المستغلة وذلك نظرا لعدم التوصل إلى حلول جذرية بشأن مسألة الملكية مما يعسر من ظروف العمل الفلاحي ويمنع الفلاحين من الحصول على القروض والتمويلات الضرورية كما يمنعهم من الاندماج في تعاونيات تزيد من مستوى  الإنتاج وتتحكم أكثر في كلفته.
كما يجب الحرص على تسهيل الحصول على العلف والأسمدة والحد من ارتفاع ثمنها للتحكم أكثر في كلفة الإنتاج.
وتبقى مسألة التخزين أيضا من المسائل المعيقة للعديد من الفلاحين الذين يعسر عليهم التصرف في فوائض الإنتاج نظرا لعدم امتلاكهم للمخازن المجهزة مما يضطرهم للتفريط في فائض الإنتاج بأثمان منخفضة.
3- قطاع الطاقة
لا توجد إلى حد الآن معطيات دقيقة حول حقيقة المقومات الطاقية لتونس إذ أن مختلف الحكومات المتعاقبة لم تفصح عن إنتاج البلاد أو احتياطيها من الموارد النفطية لذلك يدعو الاتحاد إلى إنارة الرأي العام حول المخزون النفطي والغازي لتونس وحول آفاق استغلاله إضافة إلى وضع قطاع الكهرباء والغاز وآفاق استغلال الطاقات المتجددة     وبلورة إستراتيجية الحكومة في هذا المجال إذ أن التجارب الرائدة في العديد من البلدان أثبتت أن الطاقات المتجددة مجال حيوي لدفع التشغيلية وخلق التنمية بالمناطق النائية والوسط الريفي.
4- قطاع المناجم
يساهم القطاع المنجمي بمداخيل هامة خصوصا مع ارتفاع أسعار الفسفاط وغيرها من المواد إلا أن سياسة  إدارة هذا القطاع لم تبلغ بعد مرحلة الاستغلال الأمثل لجل هذه الموارد حيث تشهد شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيماوي أوضاعا صعبة نتيجة تعمد بعض طالبي الشغل منع العمال من الالتحاق بمراكز عملهم أو منع القطارات والشاحنة من تحميل الفسفاط وإيقاف النشاط لفترات طويلة ولهذا فانه من الضروري إيجاد حلول سريعة للإشكاليات الاجتماعية القائمة بجهة الحوض المنجمي عموما والعمل على اعادة نشاط القطاع إلى مستوياته المعهودة.
5- قطاع الصناعة
شهد قطاع الصناعة تراجعا كبيرا من حيث الصادرات وكذلك من حيث الطاقة التشغيلية حيث واجهت العديد من المؤسسات سواء الوطنية أو الأجنبية جملة من الصعوبات المتعلقة بالوضع الأمني الهش من جهة وبتردي المناخ الاستثماري ومحيطه وعدم وجود استراتيجية واضحة لدعم القطاع الصناعي زيادة على ضعف المجهودات المتعلقة بتهيئة البنية التحتية والمناطق الصناعية وتشجيع المؤسسات الوطنية من جهة أخرى ومما زاد في تعقيد الأمور غياب رسائل الطمأنة في ما يتعلق بالمحطات السياسية القادمة وبالوضع الأمني للبلاد.
6- قطاع السياحة
يشكو قطاع السياحة اليوم من عديد الصعوبات التي باتت تشكل تهديدا لمستقبل هذا القطاع الحيوي والمشغل حيث تأثرت السياحة وتراجعت مداخلها بشكل مفزع بتراجع الوضع الأمني وبتصاعد وتيرة العنف والتطرف وذلك فضلا عن المشاكل الهيكلية التي يعاني منها القطاع منذ فترة طويلة سواء المتعلقة بسياسة إدارة القطاع في السنوات الماضية والتي غابت عنها النظرة الاستشرافية وتنامت فيها المحاباة والمحسوبية من خلال فتح مجال الاستثمار للعديد من الدخلاء مما أضعف القدرة التنافسية للمنتوج السياحي التونسي ولنوعية خدماته وبحسب أهل الاختصاص لا مناص اليوم من صياغة استراتيجية لتأهيل القطاع والرفع من قدراته التنافسية والعمل على تنويع المنتوج السياحي بإدخال أشكال جديدة كالسياحة الثقافية والصحراوية والحرص على تدعيم التكوين المهني والمستمر في مختلف المستويات.
7- قطاع النقل
يشهد قطاع النقل العديد من الإشكاليات حيث بات من الضروري توضيح سياسة الدولة وخطتها للنهوض بهذا القطاع الاستراتيجي برا وجوا وبحرا وينبه الاتحاد في هذا الاطار الى ضرورة معالجة العديد من الملفات الشائكة بالقطاع وأولها توضيح مستقبل الخطوط الجوية التونسية خصوصا مع تواضع مشروع إعادة هيكلة مجمع الخطوط التونسية والذي لم يرتق إلى حد الآن إلى مستوى التحديات المطروحة على الشركة ولم يوفر الحلول اللازمة لإنقاذها.
كما يدعو الاتحاد إلى فتح بقية الملفات المتعلقة بالشركات الخاصة في مجال النقل بمختلف اشكاله وتنظيم نشاطاتها حتى لا تتضرر المؤسسات العمومية وخصوصا ملف  شركة السكك الحديدية التي تواجه صعوبات مالية تفاقمت أكثر بعد عدم تجديد تعاقدها لنقل الفسفاط مما افقدها 30 % من مداخيلها. .
ويعتبر الاتحاد ان دعم النقل العمومي وتطويره من الحلول المطروحة لمزيد الضغط على استهلاك المحروقات إضافة إلى كهربة كل خطوط السكك الحديدية وتوسيع شبكة المترو.
8قطاع التجارة بين ارتفاع الأسعار والتجارة الموازية
من أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد التونسي اليوم هي القدرة على التحكم في الأسعار إذ أن الترفيع المتواصل في الأسعار وخاصة أسعار الاستهلاك اليومي والأساسي للتونسيين (الأكل، التنقل …) يزيد من الأعباء المادية على الأجراء ويفرغ الزيادات في الأجور من محتواها ومن دورها التعديلي للمقدرة الشرائية وقد ابرز إجراء الرفع في الاسعار محدوديته في تجاوز الأزمات الاقتصادية بل انه كان سببا مباشرا في العديد من الأزمات الاجتماعية علاوة على زيادة نسب التضخم وتراجع الطلب الداخلي وتوتر المناخ الاجتماعي وارتفاع المديونية الأسرية وانحدار جودة الحياة لدى التونسيين.
وعلى صعيد أخر تشهد مسالك التوزيع جملة من الإشكاليات المتعلقة بضعف الرقابة بمختلف جوانبها ولعل أبرز الأمثلة في هذا الإطار التعاضدية المركزية لأسواق الجملة والتي تشهد تجاوزات خطيرة على غرار ترويج بعض المواد الفلاحية المهربة داخل السوق مما يستوجب التحرك العاجل للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد بتهميش مسالك التوزيع العمومية ويؤكد على ضرورة تكثيف المراقبة ووضع حد للمضاربة وردع كل المتجاوزين.
ويدعو الاتحاد العام التونسي للشغل كذلك الى تدعيم الرقابة على حدودنا للتصدي لمختلف اشكال التهريب سواء المتعلقة بتهريب المواد الاستهلاكية الأساسية والمدعومة أو بالأسلحة والمخدرات وذلك باقتناء الأجهزة المتطورة للمراقبة مع تكثيف التواجد الأمني في مختلف النقاط والمناطق الحدودية ووضع حد للتجارة الموازية.
كما يطالب الاتحاد بتكثيف المساحات الإعلامية و الحملات التوعوية لتشريك المواطن في هذا الجهد الرقابي وتحفيزه على اللجوء إلى المسالك القانونية للاستهلاك دعما للاقتصاد الوطني وتجنبا للمخاطر الصحية التي قد ترافق استهلاك المواد المهربة وغير المراقبة. ويلفت الاتحاد العام التونسي للشغل النظر إلى ضرورة مزيد الاهتمام بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمناطق الحدودية مما من شانه أن يقلص من الالتجاء إلى التهريب والطرق غير الشرعية للكسب ولتنامي القطاع غير المنظم.
9- لا مناص من فتح حوار وطني حول الوضع الاقتصادي للبلاد
لامفر اليوم من إيلاء الوضع الاقتصادي لبلادنا وسبل النهوض به الأولوية المطلقة  اذ أن الوضع الاقتصادي الراهن يتطلب تجند جميع الأطراف للعمل سويا من أجل إنقاذ الاقتصاد في إطار من التشاركية والشفافية وبطرح كل المواضيع للنقاش بين كل الأطراف المتدخلة سعيا إلى إيجاد الحلول الملائمة في أسرع وقت ممكن إذ أن ترك الأمور على هذه الحالة يصعب من مهمة إنقاذ اقتصادنا.
كما يركز الاتحاد العام التونسي للشغل على مسألة الحوكمة وضرورة توجيه القروض والهبات المالية الوجهة الصحيحة مع ضرورة التحلي بالشفافية والإسراع في سن الإصلاحات الضرورية واعتماد منوال تنموي جديد تشاركي على مختلف المستويات ( الوطنية والجهوية والمحلية والقطاعية ).
ويرى الاتحاد العام التونسي للشغل أن العقد الاجتماعي يمثل الإطار الأنسب لمناقشة مختلف المشاكل المطروحة ضمن اللجان الفرعية التي تكونت اثر إمضاء العقد الاجتماعي وإثرائها بالخبراء والجامعيين المشهود لهم بالكفاءة إضافة إلى توجيه كل الطاقات في اتجاه دعم عمل اللجان الفرعية.
عن قسم الدراسات والتوثيق
 أنور بن قدور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق