2012/03/13

مشروع دستور الاتحاد العام التونسي للشغل التوطئة والمبادئ العامة


مشروع دستور الاتحاد العام التونسي للشغل

التوطئة والمبادئ العامة

تنطلق حملة الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل التعريف بمشروع الدستور الذي اعدته نخبة من الخبراء النقابيين وقد ارتئينا في جريدة الشعب ان نعاضد هذه الحملة عبر تخصيص ركن اسبوعي لشرح الاسباب وتفسير الدواعي والاهداف من الاختيارات الكبرى التي تضمنتها الفصول المتعددة للدستور.
لكن نؤكد من البداية انّ مشروعنا ـ وقد يلتقي في ذلك مع عدد من المشاريع الاخرى ـ يسعى الى تثبيت جملة من القيم والمبادئ تؤكد على مدنيّة الدولة وعلى اسس النظام الجمهوري الديمقراطي وعلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وعلى الحفاظ على مكاسب مجلة الاحوال الشخصية وتطويرها وعلى سائرالحقوق الاخرى.
هذه فاتحة التعريف بدستورنا:
التوطئة هي جملة الأحكام والمبادئ التي تعكس ثوابت مجتمع معين، وتضبط الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها الدستور. وتشكل التوطئة جزءًا لا يتجزأ من الدستور وأحد مكونات الكتلة الدستورية، ولها نفس القيمة القانونية التي لباقي فصول الدستور، يمكن اللجوء إليها لتأويل قواعد الدستور بشكل صحيح عند التطبيق واعتمادها عند إجراء رقابة دستورية القوانين التي أسندت لتشمل لا فقط رقابة المطابقة بل أيضا رقابة الملاءمة أي الاستئناس بروح الدستور وفلسفته العامة، والمعبر عنها بالتوطئة.
تتضمن التوطئة أسس ومنطلقات صياغة مشروع الدستور والقيم التي يستند إليها من جهة والأهداف التي يطمح إلى تحقيقها أو تكريسها من جهة أخرى.
الأســس أو المنطلقــات:
المرجعيـة:
إن تصوّر مضمون الدستور الجديد الذي يقترحه الاتحاد ينطلق من:
مبادئ الثورة وقيمهـا:
تماهيًا مع مطالب الثورة التي انطلقت نتيجة لتفاقم الشعور بالتهميش والحيف لدى الفئات الاجتماعية الضعيفة الحال، وافتقارها لأبسط مقومات العيش الكريم وذلك عبر الدفاع عن ديمقراطية اجتماعية تجد تجلياتها السياسية والمؤسساتية ضمن دستور أساسه المعادلة بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. دستور يقطع مع منظومة الفساد والاستبداد والحيف الاجتماعي.
إن مرجعية هذا المشروع تجد أسسها أيضا في قيمة الاستمرارية فالتأسيس لجمهورية جديدة لا يعني أبدا التنكر لمنجزات هذا الشعب ومكاسبه، هذه المنجزات التي دعمتها نضالات شعبنا من اجل التحرر من نير الاستعمار والانعتاق الاجتماعي، التي قدم خلالها عديد الشهداء، مرورا بكل المراحل: حركة التحرر الوطني، الانتفاضات الاجتماعية، (اغتيال حشاد- أحداث 26 جانفي 1978- أحداث الخبز 1985 عديد المناضلين الذي افنوا العمر في السجن والمنافي، ومنهم من قضى نحبه بالسجون). هذا العمق التاريخي لنضالات شعبنا، أكدته التوطئة من خلال الوفاء لكل الشهداء.
إن التوطئة هي القناة التي تمرّ عبرها حتما مرجعية كل شعب أو دولة سواء على المستوى الحضاري أو الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. لذلك تضمت توطئة هذا المشروع تذكيرا بمقومات هذا الشعب، وبتراثه الحضاري في بعده الإنساني الذي يمتد لآلاف السنين، ومنها التأكيد على المقوم الأساسي لهويته المتمثل في الحضارة العربية الإسلامية.
ان الأسس والمرجعيات التي استند عليها هذا المشروع تقوم على جدلية القطيعة/ التواصل، قطيعة مع الاستبداد والحيف الاجتماعي وتواصل بالتأكيد على الوفاء لنضالات كل الشهداء وعلى المكاسب المراكمة والهوية.
القيم المحدّدة لصياغة الدستور:
يستند الاتحاد العام التونسي للشغل في مشروع الدستور الذي أعده على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان والقيم الإنسانية المشاعة بين الجميع وذلك عبر التأكيد ضمن التوطئة على الكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية بجانبيها السياسي والاجتماعي.
إن حتمية الكرامة الإنسانية المعبر عنها في عديد المواثيق والمعاهدات الدولية تغطي عديد المجالات منها ما هو متصل بالفرد باعتباره ذاتًا لها حقوق غير قابلة للتنازل ومتصلة به اتصالا طبيعيا، ومنها ما هو متصل بتوفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم. وقد استخدمت الأحكام الدستورية التي تنتمي إلى المذهب الاجتماعي هذا المصطلح للتعبير عن قيام الدولة بوظائف اجتماعية كثيرة.
وسيتكرس المحتوى الدستوري لهذه القيمة الواردة بتوطئة الدستور من خلال التنصيص صلب الدستور على كامل منظومة الحقوق والحريات بجيلها الأول والثاني والثالث وخاصة الاقتصادية والاجتماعية وأيضا من خلال التأكيد على تحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة الحيف الاجتماعي. غير أن الكرامة الإنسانية بجميع مكوناتها لا تستقيم دون ديمقراطية، إذ لا يمكن إدراكها إلا في ظلّ مناخ ديمقراطي أي بمعالجة قضايا الديمقراطية والحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان في علاقتها بالتنمية ومرتكزاتها. كما أن الخيارات الاجتماعية والاقتصادية المعبر عنها بالتوطئة يستحيل مناقشتها في أجواء استبدادية تنعدم فيها الديمقراطية، لذلك كرست التوطئة هذا التصور حين نصّ على: «واعتبارا أن الكرامة الإنسانية والديمقراطية أساس النظام السياسي والسلم الاجتماعي».
كما تعرضت التوطئة بعد التأكيد على القيم الإنسانية والمبادئ الكونية (إحالة إلى المعاهدات والمواثيق الدولية) على مساندة تطلعات الشعوب في مقاومة الاستبداد والتخلص من الهيمنة، وهو تأكيد على البعد الإنساني والكوني للثورة التونسية ولمبادئها وقيمها.
الأهــداف: ماذا نريد؟
كل توطئة هي بالضرورة تعبير عن أهداف وغايات يرجى تحقيقها، لذلك تتضمن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لشعب ما.
ومشروع الاتحاد يسعى إلى التأسيس لجمهورية ديمقراطية اجتماعية، تقوم على معادلة المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والتعددية السياسية :
أساس مشروعيتها: سيادة الشعب، مع ما تقتضيه من ضرورة اعتماد آليات الديمقراطية المباشرة (الاستفتاء) أو شبه المباشرة (العزل الشعبي، الاعتراف الشعبي) والأخذ بنتائجها مثل الوكالة الإلزامية (إمكانية عزل النائب) واعتبار السيادة قابلة للتجزئة إذ يصبح لكل مواطن جزء من السيادة، يتمتع بكامل حقوق المواطنة، وليس كرعيّة مثلما هو الشأن بنظريات سيادة الأمّة أين تكون وكالة النائب اختيارية وملك للأمة جمعاء غير قابلة للتجزئة وفي إطارها يمارس المواطن وظيفته.
قيمها الجوهرية: الحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة
آلياتها: نظام سياسي قائم على الفصل بين السلط والتداول على الحكم والتعددية.
وذلك لا يتحقق أيضا إلا في ظلّ نظام سياسي قائم لا على الفصل بين السلط فقط وإنّما يتحقق في إطار التوازن والتفاعل الايجابي في ما بينها وإيجاد آليات لضمان هذا التوازن والذي لا يتحقق في ظلّ سيطرة حزب وحيد على كل دواليب الدولة بل في إطار تعددية حزبية فعلية، تضمن التنافس والتداول السلمي على السلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق