عرض تحليلي لأهم المؤشرات الاقتصادية والمالية
للفترة 208-2010
بقلم: الأستاذ عبد الجليل
البدوي
في هذا العرض سنحاول تحليل المؤشرات الاقتصادية والمالية
التي من شأنها أن تساعد على خوض الجولة السابعة للمفاوضات الاجتماعية التي تغطي
الفترة 2008-2010 والمعلوم أن أهم المؤشرات التي تهم العملية التفاوضية تخص
بالأساس نمو الإنتاج والتشغيل والإنتاجية والأجور الخام والصافية والأسعار والقدرة
الشرائية والأوضاع الاقتصادية والمالية التي تخص الفترة الراهنة وتميّز واقع
المؤسسات المنتجة والميزانية العمومية إلخ...
وللاستعداد لهاته المفاوضات من المهم معرفة مفهوم ومحتوى
وواقع وتطوّر مختلف هاته المؤشرات من طرف كل المشاركين في عملية التفاوض حتى
يتيسّر النقاش والجدل وتقارب المواقف والاهتداء إلى اتفاقيات تمكّن من الحفاظ على
المكاسب الاجتماعية والحرص على تطويرها.
لكن الأهم من كل ذلك هو التمكّن من هاته المؤشرات لا فقط
كمعطى (données) بل كذلك كحجة (arguments) تساعد المفاوض على بناء
موقفه وتدعيم مطالبه أثناء المفاوضات.
لذلك سنحاول في هذا التقديم تفادي التمشي الاستعراضي
والوصفي لكي نتناول ونتمكن من كل المؤشرات التي وقع ذكرها سابقا من خلال تحليل
ديناميكي مهيكل ومقتضب سيتمحور حول النقاط التالية:
1) نمو الإنتاج ومدى مساهمة الشغالين في تطويره.
2) توزيع الإنتاج وتطوّر الأوضاع المعيشية للأجراء.
I – نمو الإنتاج ومساهمة الشغالين في تطويره
قد ساهم الشغالون بقسط وافر في
الحفاظ على نسق نمو مرتفع نسبيا مقارنة مع أغلب البلدان في العالم. ذلك أن استمرار
السياسة التعاقدية منذ 1990 وبدون انقطاع قد مكّن من الحفاظ على معدل سنوي لنمو
الناتج الداخلي الخام يفوق 4% منذ أواسط الثمانينات كما يبرز
ذلك من خلال الجدول التالي:
جدول 1
تطوّر نسق
نمو الناتج الداخلي الخام
المخطط
السابع
(87-91)
|
المخطط
الثامن
(92-96)
|
المخطط
التاسع
(97-01)
|
المخطط
العاشر
(02-06)
|
2006
|
2007
|
2008*
|
2،4%
|
6،4%
|
3،5%
|
5،4%
|
2،5%
|
3،6%
|
1،6%
|
*توقّعات
وقد كانت مساهمة الشغالين في هذا
النمو المستمر مساهمة كميّة ونوعيّة بارزة.
ذلك وعلى المستوى الكمي فإن توسّع
نسق ورقعة إنتاج الثروة قد حصل في جزء منه بفضل ازدياد عدد الناشطين وخاصة نسبة
الأجراء من هؤلاء التي بلغت 76%لسنة 2004 مقابل 71,5%سنة 1994.
أما على المستوى النوعي فإن مساهمة
الأجراء في نمو الإنتاج تبرز من خلال ارتفاع نسق نمو إنتاجية العمل كما يؤكد ذلك
الجدول التالي:
جدول 2
تطوّر نمو
إنتاجية العمل
1984-1989
|
1994-1997
|
1997-2001
|
2002-2006
|
2007
|
%1،0
|
%4،2
|
%4،3
|
%2
|
%5،3
|
وقد ساعد على تحقيق ارتفاع نمو
الإنتاجية التطوّر الحاصل على مستوى هيكلة الشغالين والتي تتميز بتراجع نسبة
الشغالين الفاقدين للمهارات ولمستويات تعليمية مرتفعة وفي المقابل ارتفعت نسبة
الشغالين المتحصلين على المستوى الثانوي والعالي كما يبرز ذلك من خلال الجدول
التالي:
جدول 3
تطوّر هيكلة
الشغالين (15 سنة فما فوق) على حسب المستوى العلمي%
|
1984
|
1994
|
2004
|
2005
|
2006
|
بدون مستوى
علمي
|
43
|
3،24
|
5،14
|
3،14
|
6،13
|
مستوى
ابتدائي
|
5،32
|
8،39
|
9،37
|
9،36
|
6،36
|
مستوى
ثانوي
|
6،20
|
29
|
9،34
|
7،35
|
3،36
|
مستوى عالي
|
9،3
|
9،6
|
7،12
|
1،13
|
5،13
|
كما تجدر الملاحظة انطلاقا من
الجدول 2 أن ارتفاع نسبة نمو إنتاجية العمل قد تزامن مع إرجاع الاعتبار للاتحاد
العام التونسي للشغل (سنة 1989) والتخلي على تجميد الأجور الذي ساد الفترة
(1984-1989) وإعادة إحياء السياسة التعاقدية منذ 1990.
وقد ساهم الارتفاع المستمر لنسق
الإنتاجية لا فقط في توسيع رقعة الإنتاج بل كذلك في المحافظة على القدرة التنافسية
للاقتصاد التونسي في فترة شهدت وتميزت بمتغيرات كبيرة وعديدة: التحاق تونس بالمنظمة
العالمية للتجارة، إمضاء اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي وتفكيك الحماية الجمركية
التي كان يتمتع بها الاقتصاد التونسي، توسع الاتحاد الأوروبي وانفتاحه على بلدان
المعسكر الشرقي سابقا مع تصاعد المنافسة الاقتصادية الناتجة عن هذا التوسع، انتهاء
العمل بالاتفافية متعددة الألياف سنة 2005، تأزم الوضع الاقتصادي العالمي في أوائل
القرن الجديد (إرهاب، حروب، ارتفاع أسعار النفط والمواد المنجمية والفلاحية
إلخ...).
كما تجب الإشارة هنا أن ارتفاع نسق
إنتاجية العمل (productivité du travail) يخفي في حقيقة
الأمر ظاهرة جديدة تتمثل في تشديد وتكثيف نسق العمــــــــــــــــل ( intensification du travail) الناتج بالأساس عن مرونة التشغيل بحكم التعديل الحاصل
لمجلة الشغل سنة 1994 و1996، وهذا التشديد لنسق العمل القائم على تمطيط أوقات
العمل واستعمال عقود عمل محددة الآجال والتعويض المستمر للعمال واللجوء للعمل
الموسمي والتربصات وللمناولة إلخ... يمثل في الحقيقة تضحيات جديدة مسلطة على جزء
هام من الشغالين على حساب استقرار عملهم وسلامتهم المهنية وظروفهم المعيشية.
وأخيرا يجدر التذكير بأن إعادة
إحياء السياسة التعاقدية منذ 1990 قد ساهم من خلال المراجعة الدورية للأجور على
الحفاظ على مكانة الاستهلاك في الطلب ودور هذا الأخير في دفع نسق نمو الإنتاج
واستقراره في مستويات عالية نسبيا في فترات شهدت صعوبات ومتغيرات عالمية سريعة
ومتنوعة من جهة واستقرار نسبة الاستثمار المحلي في مستوى منخفض نسبيا من جهة أخرى
خاصة في النصف الأول من القرن الحالي.
علما أن تطور الاستهلاك خاصة منه
الاستهلاك الخاص لا يفسر فقط بالتعديلات المسجلة في الأجور بل كذلك بعوامل أخرى
عديدة منها لجوء العائلات إلى التداين وبيع بعض الممتلكات العقارية وغيرها قصد
مواجهة المصاريف الطارئة ومحاولة الحفاظ على نفس مستوى العيش.
وفي هاته المرحلة وأمام التنبّآت
المتشائمة فيما يخص النمو العالمي للإنتاج بالنسبة لسنة 2008 على الأقل فمن
الضروري للحفاظ على نفس نسق نمو الإنتاج المحلي وتحقيق %1،6 معدل نسبة النمو المبرمجة من
طرف المخطط الحادي عشر لفترة 2007-2011 أن يقع تدعيم الطلب الداخلي من خلال تنشيط
الاستهلاك عبر زيادات جدية للأجور من جهة وتدعيم الاستثمار عبر بناء دولة القانون
والمؤسسات قصد تحسين مناخ الأعمال وتقليص نسبة البطالة من جهة أخرى.
وخلاصة الأمر يمكن القول أن الأجراء
الذين أصبحوا أكثر عددا وأكثر كفاءة مهنية وأرفع مستوى علمي وأعلى قدرة إنتاجية قد
ساهموا بقسط وافر في الرفع من نسق الإنتاج وتوسيع رقعته وتنويع مصادره وتدعيم
قدرته التنافسية. ومن هاته الزاوية يمكن التأكيد بأن السياسة التعاقدية قد ساهمت
بقسط وافر في دفع الدورة الاقتصادية.والسؤال المطروح الآن هو معرفة مدى مساهمة
هاته السياسة التعاقدية في تحقيق توزيع عادل للإنتاج وتطوير القدرة الشرائية
للأجراء وتحسين ظروف عيشهم وتغذية شعور الاطمئنان والتفاؤل بالمستقبل لديهم.
II- توزيع الإنتاج وتطور الأوضاع المعيشية للأجراء:
تجب الإشارة هنا أن الرجوع إلى
السياسة التعاقدية منذ 1990 أتى في فترة تميزت بحركية جديدة تتمثل في الانتقال من
اقتصاد محميّ ومسيّر من طرف الدولة إلى اقتصاد منفتح وخاضع لآليات السوق. وقد نجم
عن هاته الحركية الانتقالية ضغوطات عديدة قادت إلى تدهور ملحوظ لظروف العمل
وللعلاقات المهنية من جهة وإلى تراجع الظروف المعيشية للعمال ونصيبهم من الثروة من
جهة أخرى. وسنحاول فيما يلي تقديم عرض سريع لأهم الضغوطات وللنتائج الاجتماعية
التي قادت إليها:
أ-
الضغط الناتج عن التغيير الجذري لنمط النمو والتنمية:
أولا يجب أن نؤكد على أن الحركية
الانتقالية المذكورة واكبها تغيير جذري في نمط النمو والتنمية. ذلك أن نمط التنمية
الذي كان سائدا قبل دخول برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 حيّز التنفيذ كان يعتمد
السوق الداخلية والطلب الداخلي كمصدر من المصادر الأساسية التي تحدد نسق مسار
النمو والتنمية. وفي هذا الإطار كان الأجر يعتبر بالأساس كدخل يمثل إحدى المكونات
الأساسية للطلب الداخلي وكان العامل يعتبر كمستهلك يساهم من خلال أجره ودخله في
دفع عجلة التنمية. أما في الفترة الانتقالية نحو اقتصاد السوق والاندماج في
الاقتصاد العالمي فإن التصدير أصبح يحتل المرتبة الأولى في ترتيب الأولويات على حساب
الطلب الداخلي خاصة عندما يهم الأمر جانب الاستهلاك كما أصبح منطق المنافسة هو
الهاجس السائد مع تفكيك الحماية الجمركية في إطار اتفاق الشراكة مع الاتحاد
الأوروبي. وهذا التحول الحاصل في نمط النمو والتنمية قاد إلى اعتبار الأجر قبل كل
شيء ككلفة يجب الضغط عليها بكل الوسائل لكسب رهان المنافسة وربح معركة التصدير كما
صار العامل يعتبر بالأساس كعنصر إنتاج يستحسن استبداله بالآلة كلما اقتضى الأمر
ذلك. وفي إطار هذا النمط الجديد للتنمية أصبحت السياسات الاقتصادية تهدف إلى
التعامل مع الشغل والأجر كعناصر متغيرة (variables d’ajustement) يجب إضفاء أكثر ما يمكن من المرونة عليهما ليقوما بدور تعديلي يسمح
بمواجهة متغيرات السوق والحفاظ على القدرة التنافسية للمؤسسات وللاقتصاد. ومع
اشتداد المنافسة الداخلية والخارجية فإن الدور التعديلي الجديد للأجور أصبح يعتمد
في اتجاه الضغط المستمر على الأجر المباشر والغير المباشر (الخدمات الاجتماعية قصد
الحد من المساهمات الاجتماعية).
وبالرجوع إلى الجدول 4 نلاحظ تراجع
مستمر في نسبة تطور الأجور بالأسعار الجارية قاد في الفترة الأخيرة إلى ركود ثم
تدهور القدرة الشرائية للعمال رغم ما يتّسم به مؤشر الأسعار من نواقص سنتعرّض
إليها لاحقا. علما وأن تراجع نسبة الأجور العينيّة والقدرة الشرائية يتضارب مع
تصاعد نسبة نمو الإنتاج والإنتاجية المسجّلة سابقا:
جدول 4
تطوّر الأجور
والقدرة الشرائية %
تطور مؤشر
الأسعار عند الاستهلاك
|
الأجر
الأدنى بالأسعار الجارية (48 ساعة في الأسبوع)
|
الأجر
السنوي المتوسط بالأسعار الجارية المصرّح به لدى صندوق الضمان الاجتماعي
|
|
1،5
|
5،4
|
9،7
|
1991-1995
|
1،3
|
8،3
|
9،4
|
1996-2000
|
8،2
|
5،3
|
9،2
|
2001-2005
|
5،4
|
1،3
|
6،2
|
2005-2006
|
1،3
|
-
|
-
|
2006-2007
|
ب- الضغط الناتج
عن الوضع المختل لسوق الشغل:
إن الوضع بسوق الشغل يتميّز
باستقرار نسبة البطالة في مستوى مرتفعا جدا بالمقارنة مع أغلب البلدان الأخرى
وباعتبار الآليات والاعتمادات الموظفة من طرف الدولة لمقاومة البطالة. وهاته
الحالة تفسّر بالأساس بغياب مناخ أعمال يسمح بدفع الاستثمار إلى مستويات تضمن خلق
ما يكفي من مواطن الشغل قصد الحد من نسبة البطالة. وقد أشرنا أن السبب الرئيسي في
غياب مثل هذا المناخ يرجع إلى غياب دولة
القانون والمؤسسات الضامنة الوحيدة لقوانين عادلة تطبق بدون تمييز على كل
المواطنين بفضل وجود قضاء مستقل ومنصف وصحافة حرة قادرة على الكشف والتنديد وتحسيس
الرأي العام بكل التجاوزات التي يمكن أن تحصل. ويمثل هذا الإطار المؤسساتي أحد
الركائز الجوهرية والأساسية لتوفير مناخ أعمال قادر على استرجاع ثقة المواطن
بمؤسساته وإطلاق عنان المبادرة لدى المستثمرين وخلق مجال أوسع للخلق والإبداع قصد
رفع رهان المنافسة على أساس تحسين أكثر للإنتاجية وللجودة وللخدمات وتنويع أكثر
للبضائع إلخ... وفي غياب مثل هذا الإطار المؤسساتي فإن تحقيق المنافسة لا يمكن أن
يتواصل إلا على حساب استمرار البطالة بنسب عالية من شأنها أن تؤثّر سلبا على
موازين القوى بين الأطراف الاجتماعية لصالح الأعراف من جهة وأن تخلق منافسة بين
العمال في سوق الشغل من جهة أخرى. وهذا الواقع الموضوعي سمح على حدّ الآن بتحويرين
على مجلة التشغيل ومن انتشار أنماط تشغيل هشّة لا تكلّف الأعراف أجورا مرتفعة بل
تكلف المجموعة الوطنية مصاريف باهضة بدون توفير حلّ جذري لمعظلة البطالة. وعلى سبيل
المثال وبالرجوع لسنة 2005 نلاحظ أن برامج التشغيل المدعّمة من طرف الدولة (SIVP1+SIVP2+CEF+FSAP) قد ساهمت في خلق %7،53 من مجموع مواطن الشغل التي
وقع بعثها في هاته السنة. علما وأن تدخل ودعم التشغيل لا يقتصر على البرامج
المذكورة بل يشمل كذلك برامج أخرى لا تقل أهمية مثل حضائر التشغيل وبرامج التنمية
الحضرية والريفية والصندوق الوطني للتشغيل إلخ... واستمرار البطالة بنسب مرتفعة
ساهم إلى حد الآن في إضعاف القدرة التفاوضية للاتحاد في مجال مراجعة الأجور كما ساهم في تبرير منطق
مرونة التشغيل والأجور وفي انتشار أنماط تشغيل هشة وفي ارتفاع وتعدد التحويلات
والدعم لفائدة الأعراف باسم دعم التشغيل والاستثمار بدون أن ترتفع نسبة الاستثمار
الخاص ولا أن تتقلّص بصورة واضحة وفعلية نسبة البطالة.
ومثل هاته النتائج تؤكد عدم نجاعة
السياسات الاقتصادية القائمة على توزيع الاعتمادات والامتيازات الجبائية والمالية
والاجتماعية والاقتصادية لفائدة الأعراف مقابل ضمان ولاءهم السياسي كما تؤكد على
ضرورة بناء الموقف النقابي على أساس اعتبار العلاقات الموضوعية القائمة بين
السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعدم الفصل بين هاته الجوانب.
ت- الضغط
الجبائي وشبه الجبائي المسلط على العمال:
بجانب انتشار أنماط التشغيل الهشة
وتباطؤ نمو الأجور العينيّة وركود القدرة الشرائية وتفاقم الصعوبات المعيشيّة لدى
العمال يتعرض هؤلاء إلى ضغط جبائي وشبه جبائي متزايد ساهم بقسط وافر في تآكل
الأجور الصافية وفي تعميق الفوارق الاجتماعية. والجدير بالذكر أن الذي يعني العمال
بالأساس هو ما يتبقى من أجر صافي بعد خصم المساهمات الاجتماعية والضرائب المباشرة
من الأجر الخام وما يمثله هذا الأجر الصافي من قدرة شرائية. والملاحظ من خلال
الجدول 5 أن الأجر الصافي ما فتئ يتآكل ويتقلص بحكم اشتداد الضغط الاجتماعي
والجبائي على الأجر الخام.
جدول 5
تطوّر هيكلة
كلفة التأجير %
|
1983
|
1990
|
1995
|
2000
|
2005
|
كتلة الأجر
الصافي
|
82,2
|
78,9
|
75,9
|
73,5
|
71,4
|
جملة
المساهمات والأعباء الاجتماعية
|
12,9
|
17
|
18,7
|
18,8
|
20,1
|
الأداءات
المباشرة المسدّدة من طرف الأجراء
|
4,8
|
4,1
|
5,5
|
7,7
|
8,5
|
ويتّضح من خلال الجدول 5 أنه على كل
100 دينار أجر خام يتحمله المؤجر كتكلفة لليد العاملة سنة 2005 هناك 5،8 دنانير
يقع خصمها وتحويلها للدولة بعنوان الضريبة المباشرة المسلطة على الأجر و1،20 دينار
يقع دفعها لصناديق الضمان الاجتماعي (بما فيها نسبة صغيرة تستعمل لتغطية بعض
الخدمات الاجتماعية الصادرة عن المؤسسات) أما العامل فإنه لا يتحصّل إلا على 4،71
دينار كأجر صافي سنة 2005 مقابل 9،78 دينار سنة 1990 و3،82 دينار سنة 1983 علما أن
الأجر الصافي كان يبلغ قرابة 92 دينار في أواسط الستينات.
ث- الضغط الناتج
عن انتشار المنطق السلعي واكتساحه لكل الأنشطة الاجتماعية:
بدون الإطالة
في هذا الموضوع الهام الذي وقعت معالجته في عديد الندوات النقابية التي اهتمت
بقضايا التعليم والصحة وصناديق الضمان الاجتماعي ونظام التأمين على المرض
إلخ...يجب التأكيد على أن اكتساح المنطق السلعي لكل الأنشطة يعني بالأساس تراجع
الخدمات التي كانت متوفرة بصفة مجانية أو شبه مجانية كالتعليم والصحة وبالتوازي
المساهمة المتصاعدة للعائلات في مصاريف هاته الخدمات. وهذا يعني أن العمال لإعادة
تجديد قوة عملهم بما فيها عائلتهم أصبحوا يمرون أكثر فأكثر عبر السوق ويقتنون
البضائع والخدمات بسعر السوق (يعني بدون دعم أو بدعم ضعيف من طرف الدولة) مما ينتج
عن ذلك تصاعد تكاليف المعيشة بحكم انتشار المنطق السلعي. وهذا الجانب لا يؤخذ بعين
الاعتبار إلى حدّ الآن في المفاوضات الاجتماعية ومن المفروض أن يقود إلى مراجعة
للأجور تراعي هذا الجانب.
ج- تصاعد الضغط
الناجم عن التضخّم المالي:
تجب الإشارة
هنا إلى أن مؤشر الأسعار المعتمد إلى حدّ الآن لتقييم التضخم المالي وتحديد تطور
تكاليف العيش بالنسبة للأجراء أصبح لا يعكس التطورات الحاصلة على صعيد نمط وسلوك
الاستهلاك لدى العائلة التونسية وذلك للأسباب التالية:
-
المؤشر الحالي للأسعار قائم على سلة استهلاك لا تأخذ
بعين الاعتبار تغيير نمط الاستهلاك بحكم انتشار بضائع وخدمات جديدة كالهاتف الجوال
وشحنه وصيانته، كأجهزة الإعلامية وما يتبعها من مصاريف (أقراص، ورق، حبر للطباعة،
إلخ...) كالانترنيت، كالبارابول وأجهزة الفيديو، كالسيارات الشعبية وما تتطلبه من
مصاريف الصيانة ومعلوم الجولان والتأمين إلخ...
-
كما أن المؤشر الحالي لا يأخذ بعين الاعتبار بما يكفي
تأثير انتشار المنطق السلعي على هيكلة مصاريف الأسرة.
-
كما لا يأخذ المؤشر الحالي بعين الاعتبار تقلص مدة
استعمال عديد الأجهزة الكهربائية والإعلامية والإلكترونية التي يتجدّد اقتناءها
بنسق أسرع ويساهم ذلك في ارتفاع تكاليف الحياة.
-
كما أن مؤشر الأسعار لا يأخذ بعين الاعتبار التغيير
الحاصل في سلوك الاستهلاك العائلي بحكم ارتفاع نسب التمدرس وتشغيل المرأة الذي
ينجر عنهما حتما المرور المتكرر بالسوق للتحصّل على عديد الخدمات التي كانت تتوفر
مجانا في إطار النشاط العائلي. ونذكر على سبيل المثال شراء الأكلات الجاهزة، غسيل
الأدباش، اللجوء للحضانة وروضة الأطفال، زيادة فى مصاريف النقل بحكم ارتفاع نسبة
التمدرس إلخ...
ورغم محدودية
المؤشر الحالي للأسعار في ضبط التطور الحقيقي لغلاء المعيشة وتكاليف الحياة فإن
هذا المؤشر يعرف في السنوات القليلة الأخيرة منحى جديد تصاعدي بعد أن تراجع أثناء
سنوات التسعين كما يظهر ذلك من خلال الجدول التالي:
جدول 6
تطوّر نسبة التضخم المالي %
1991
|
1995
|
2000
|
2001
|
2004
|
2005
|
2006
|
2007
|
|
2008*
|
2،8
|
3،6
|
9،2
|
9،1
|
6،3
|
2
|
5،4
|
1،3
|
7،5
|
3
|
*
متوقع حسب المخطط الحادي عشر.
وتكشف المعطيات أنه منذ 2004 أصبح
معدّل نسبة التضخم السنوي يفوق 3,5% مقابل 2,5% بين سنة 2000 و2003. وهذا التوجّه
التصاعدي مرشح للاستمرار لأسباب عديدة تخص بالأساس تطور أسواق المواد الغذائية في
العالم. وهذا التطور يتميّز بتعمق الاختلالات الهيكلية بين العرض وطلب أهم المواد
الغذائية. فمن جهة العرض نلاحظ في السنوات الأخيرة تكرّر الكوارث الطبيعية
المختلفة التي تأثّر سلبا على محاصيل أهم البلدان المنتجة للحبوب، تراجع مخزون
الحبوب، تصاعد تكاليف نقل المواد الغذائية بحكم ارتفاع أسعار الوقود إلخ... أما من
جهة الطلب نلاحظ تصاعد الطلب من بلدان صاعدة اقتصاديا وتتّسم بالكثافة السكانية
مثل الصين والهند، تصاعد طلب الحبوب المستعملة لإنتاج المحروقات علما أنه في سنة
2007 وقع استهلاك 65 مليون طن من مادة القطانية (Maïs) في الولايات المتحدة (خمس
إنتاجها) لإنتاج المحروقات وهذا التوجه مرشح إلى التصاعد، تواصل النمو السكاني في
العالم الذي سيصل عدد سكانه 10 مليار نسمة سنة 2050 علما وأنه في سنة 1960 كان
هناك هكتار أرض زراعية لكل ساكنين اثنين في العالم وستصبح هاته النسبة سنة 2050
هكتار لكل 6 سكان. وهاته الاختلالات من شأنها أن تغذي بصفة مستمرة التضخّم المالي
خاصة في البلدان التي لم تحرص على بناء اكتفاءها الذاتي على الصعيد الغذائي
بالتركيز على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية مثل الحبوب والزيوب والحليب واللحوم.
علما وأن مفهوم الاكتفاء الغذائي الذاتي بتونس يقوم على الحرص على تحقيق الموازنة
على صعيد الميزان التجاري الغذائي. وهذا المفهوم التجاروي البسيط خلق تباعية
غذائية نتج عنها أخيرا ارتفاع كبير لمصاريف صندوق التعويض كما يبرز ذلك من خلال
الجدول التالي:
جدول 7
تطوّر مصاريف
صندوق التعويض
|
2006
|
2007
|
2008*
|
مصاريف صندوق التعويض (مليون
دينار)
نسبة المصاريف من الناتج المحلي
الخام %)
|
321
|
575
|
960
|
*المتوقع حسب الميزان الاقتصادي
لسنة 2008
لكل هاته
الأسباب فمن المترقب أن يزداد الضغط الناتج عن تصاعد التضخم المالي الذي يتغذى
كذلك من خلال تراجع سعر صرف الدينار بالأورو التي تمثل العملة النقدية لأهم حريف
ومزوّد للاقتصاد التونسي وهذا من شأنه أن يساهم مستقبلا وبصفة أسرع في تهرئة
القدرة الشرائية للعمال.
ح- نتائج تصاعد
مختلف الضغوطات على توزيع الناتج المحلي الخام:
تبيّن في ما
سبق أن مختلف الضغوطات قد أدّت إلى بروز أنماط تشغيل هشّة وإلى تراجع نسبة نمو
الأجور الخام ونسبة الأجور الصافية من الأجور الخام وتآكل القدرة الشرائية للعمال
باعتماد مؤشر أسعار عند الاستهلاك لا يعكس حقيقة ارتفاع تكاليف العيش وتصاعد نسبة
التضخم المالي في السنوات الأربعة الأخيرة مقارنة مع أوائل سنة 2000 وهذا التصاعد
له أسباب هيكلية داخلية وخارجية ترشحه للاستمرار في السنوات المقبلة، بجانب كل
هاته النتائج وبموجب نفس الأسباب والضغوطات نلاحظ كذلك تراجع نصيب العمال من
الناتج المحلي الخام كما يبرز ذلك من خلال الجدول التالي:
الجدول 8
تطوّر توزيع الناتج الداخلي الخام بين الأطراف الاجتماعية %
|
1983
|
1995
|
2005
|
كتلة الأجور الصافية
|
33
|
29
|
3،26
|
المساهمات الاجتماعية
|
4
|
7
|
8
|
الضغط الجبائي
|
18
|
18
|
3،21
|
مداخيل القطاع الخاص
|
45
|
47
|
4،44
|
يتّضح من
خلال هذا الجدول أن الخاسر الوحيد في الفترة الانتقالية نحو اقتصاد السوق هم
العمال نظرا أن نسبة أجورهم الصافية من الناتج الداخلي الخام نزلت من %33 سنة 1983 إلى 26,3% سنة 2005 (آخر سنة تتوفر فيها
الأرقام لضبط مثل هذا الجدول).
أما نسبة
المساهمات الاجتماعية من الناتج فقد قفزت من %4 سنة 1983 إلى 8% سنة 2005. وفي المطلق يمكن اعتبار ذلك إيجابا بالنسبة للعمال.
لكن عندما
نعلم أن صناديق الضمان الاجتماعي أصبحت تقوم بدور التضامن الاجتماعي (منح للطلبة،
للعائلات المعوزة، للأرامل إلخ...) على حساب الضمان الاجتماعي وعندما نعلم أن
العائلات التونسية أصبحت تساهم بنسب متصاعدة في تغطية مصاريف العلاج والتعليم
والثقافة فهذا التطوّر للمساهمات الاجتماعية التي أصبح يتحمل زيادة ارتفاعها
العمال، نسبيا لا يمكن اعتباره مؤشر ايجابي خاصة وأن الاتحاد لا يشارك في إدارة
صناديق الضمان الاجتماعي وفي توظيف موارده. علما وأن الاتحاد من المطالبين بتدعيم
التضامن الاجتماعي لكن باعتماد الموارد العمومية المتأتية من ميزانية الدولة ومن
مساهمات جميع الشرائح الاجتماعية. أما الرابح الذي يكاد يكون الوحيد فهي الدولة
نظرا لأن نسبة مواردها الجبائية من الناتج المحلي قد ارتفعت من 18% سنة 1983 إلى 21،3% سنة 2005.
أما نصيب
القطاع الخاص من الناتج فقد عرف ارتفاعا مهما من 1983 إلى 1990 أثناء فترة اتّسمت
بتجميد الأجور وتدجين الاتحاد العام التونسي للشغل. لكن في نهاية الفترة سنة 2005
استقر نصيب القطاع الخاص في المستوى تقريبا الذي عرفه سنة 1983. وهاته النتائج
التي سجّلها القطاع الخاص تعتبر إيجابية بالنسبة له نظرا أن قواعد اللعبة
الاقتصادية قد تغيرت تغيّر جذري وكان من المفروض أن يساهم احتداد المنافسة
والانفتاح على السوق العالمية وارتفاع أسعار عديد المواد الخام وتكاليف الإنتاج من
تقلّص نسب مرابيح القطاع الخاص ومن الضغط على الأسعار عند الإنتاج والاستهلاك. إلا
أن ذلك لم يحصل بفضل التحويلات والإعفاءات الجبائية والدعم المالي الذي تحصل عليها
القطاع والتي ساهمت في الحفاظ على نصيبه من الإنتاج المحلي، ولكن رغم هذا الدعم لم
يكن القطاع في مستوى الآمال المعلقة عليه خاصة فيما يخص النهضة بالاستثمار وتقليص
البطالة والارتفاع بمستويات النمو إلى درجات أعلى. والسبب كما ذكرنا سالفا يرجع من
جهة بالأساس إلى هشاشة القطاع الخاص الذي تعوّد على الحصول على الدعم المالي
والامتيازات الجبائية والحماية القمرقية مقابل الولاء السياسي ومن جهة أخرى إلى
وضع المحيط المؤسساتي الذي لا يوفّر مناخ أعمال يحث على المبادرة وإلى غياب سياسة
صناعية تعين على توضيح الرأي لدى المستثمرين.
بالنظر إلى
عديد الأسباب التي تمثل عوامل ضغط على الأجور العينيّة واعتبارا للتحولات الحاصلة
منذ 2004 على مستوى أسعار المحروقات والمواد الغذائية المرشحة للارتفاع المتواصل
هيكليّا على الأقل بالنسبة للمواد الغذائية.
فمن المفروض على الأطراف
الاجتماعية تحديد سياسة شاملة تسمح بمواجهة الضغوطات المتصاعدة على القدرة
الشرائية وذلك باعتماد عديد الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على القدرة الشرائية
للعمال والنهوض بالعلاقات المهنية.رابط للتحميل:
1-https://skydrive.live.com/?cid=b210c046c1cac62a#!/view.aspx?cid=B210C046C1CAC62A&resid=B210C046C1CAC62A%21701
2- https://skydrive.live.com/redir.aspx?resid=B210C046C1CAC62A!701
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق