كلمة الأخ حسين العباسي في الذكرى الثانية لثورة 14 جانفي المجيدة
بنات وأبناء حشاد العظيم.. حماة الاتحاد وفرسان الحريّة،
أيتها المناضلات.. أيها المناضلون الأحرار.. أنصار الحرية والكرامة والديمقراطية،
مرّة أخرى نلتقي في هذه الساحة الرّمز، ساحة محمد علي الحامي الخالدة، لنحيي معا الذكرى الثانية لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثورة التحدي الشعبي ضدّ الدكتاتورية والاستبداد والفساد.
نلتقي وفاءا وإجلالا لشهداء ثورتنا المجيدة وتقديرا لجرحاها الأبطال.
فلنقف دقيقة صمت ترحما على أرواح شهدائنا الطاهرة واحتراما لتضحيات جرحانا البررة.
في هذا اليوم ونحن نلتقي لنتأمّل ما أنجزناه ولنستخلص العبر ولنستشرف المستقبل، لا بدّ نستحضر ما طال الاتحاد من انتهاكات بلغت حدّ الاعتداء السافر على مقرّاته ومناضليه منذ أسابيع ونقول أنّ الاتحاد أكبر من أن تربكه التحرشات والتهديدات الغوغائية، وسيبقى أوّلا وقبل كلّ شيء وفيا لهذا الوطن ولشعبه ولمبادئه وقيمه مشكّلا صمّام أمان ضدّ كلّ مساعي الاستبداد، متمسّكا بالحوار والتوافق، سبيلا أمثل لإدارة العلاقات داخل المجتمع ولصياغة مضامين النمو الاقتصادي والرقيّ الاجتماعي ولبلورة آليات المشاركة والمواطنة.
لن يثنينا السعي المحموم لتقزيم دورنا في تحصين تونس الحبيبة من كلّ الانحرافات التي تنزع إلى إعادة انتاج التغوّل والاستبداد، ولن تركّعنا المحاولات اليائسة والبائسة الرامية إلى حشرنا في بوتقة المطلبية الضيقة وإلى إلغاء دورنا وتغييبنا كقوّة راعية لأهداف ثورتنا المجيدة ولاستحقاقات شعبنا في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
لقد سقطت شجرة التوت وبات المخطط مفضوحا وأصبحت أداة التنفيذ مكشوفة.. إصرار على مصادرة الاعلام وتدجين القضاء المستقل.. تهجمات منظمة ومتتالية على الاتحاد العام التونسي للشغل قصد إرباكه وتهميش دوره.. ترويع لأصحاب الرأي المخالف باستغلال دور العبادة والسيطرة على مفاصل الادارة وشراء ضمائر المستضعفين وتوظيف المشاعر العقائدية لتشويه وتقزيم الآخر تمهيدا لتمرير نمط استبدادي جديد تحت عناوين قديمة جديدة، أما الهدف فهو استدراجنا وغيرنا من عشاق الحرية إلى ردّ الفعل والسقوط في مستنقع العنف.
لكن هيهات، فرغبتنا في خدمة بلادنا، وتأصّل روح المسؤولية فينا غلّبت لدينا مشاعر الوطنية ونزعة الاحتكام إلى القانون. لذلك نبقى منتظرين لما ستفضي إليه لجنة البحث والتقصي التي أحدثت بموجب اتفاق بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة والتي كُلّفت بالبحث في الاعتداءات التي استهدفت مقراتنا ومناضلينا عشية احياء المنظمة الشغيلة للذكرى الـ60 لإغتيال الزعيم فرحات حشاد وخاصة فيما نسب لبعض من تطلق على نفسها رابطات حماية الثورة. وهي نتائج ستساعدنا لا محالة على تحديد موقفنا بما يتناسب مع قناعتنا ومع تمسّكنا بمشروعية الدفاع عن ذاتنا.
مناضلات ومناضلو الاتحاد الأحرار،
نشطاء الحريّة والديمقراطية،
نحيي اليوم الذكرى الثانية للثورة التونسية المجيدة مع ابناء شعبنا العظيم في ظرفية لا تزال تراوح بين التفاؤل والتشاؤم، بين الأمل في المستقبل والحيرة والقلق إزاء الحاضر.
لقد كنا نعتقد أنّ انتخابات 23 أكتوبر 2011 ستفتح صفحة جديدة في اتجاه
إعادة بناء الحكم على أسس الشرعية الديمقراطية وإرساء العدالة الاجتماعية وإرساء دولة القانون إلا أنّها ولّدت واقعا جديدا في المشهد السياسي طغت عليه التجاذبات الإيديولوجية والحزبية وتعمقت الاختلالات الاجتماعية، وارتهنت الاستحقاقات الرئيسية التي نادت بها الثورة: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم ينته المجلس التأسيسي المنتخب من صياغة الدستور الجديد في أجاله المحدّدة كما تعهّد بذلك، ولا يزال المسار الديمقراطي في مأزق بسبب العنف السياسي المقصود والتجاذبات الإيديولوجية والعقائدية المفتعلة، ولا يزال استحداث آليات الانتقال الديمقراطي لم يكتمل بعد وتحديدا المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري والهيئة العليا للانتخابات، كما لا يزال الأمن مشدودا إلى المفهوم الذي كان سائدا والذي يختزل مفهوم الأمن الوطني في أمن النظام وأمن السلطة الحاكمة فقط.
إعادة بناء الحكم على أسس الشرعية الديمقراطية وإرساء العدالة الاجتماعية وإرساء دولة القانون إلا أنّها ولّدت واقعا جديدا في المشهد السياسي طغت عليه التجاذبات الإيديولوجية والحزبية وتعمقت الاختلالات الاجتماعية، وارتهنت الاستحقاقات الرئيسية التي نادت بها الثورة: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم ينته المجلس التأسيسي المنتخب من صياغة الدستور الجديد في أجاله المحدّدة كما تعهّد بذلك، ولا يزال المسار الديمقراطي في مأزق بسبب العنف السياسي المقصود والتجاذبات الإيديولوجية والعقائدية المفتعلة، ولا يزال استحداث آليات الانتقال الديمقراطي لم يكتمل بعد وتحديدا المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري والهيئة العليا للانتخابات، كما لا يزال الأمن مشدودا إلى المفهوم الذي كان سائدا والذي يختزل مفهوم الأمن الوطني في أمن النظام وأمن السلطة الحاكمة فقط.
إنّ ما جرى ويجري في عديد الولايات والمعتمديات كسليانة والقصرين وسيدي بوزيد وبن قردان وقفصة والكاف وجندوبة وغيرها من ردود فعل قمعية ضدّ المتساكنين المطالبين بحقّهم في التشغيل والتنمية، إنما يؤكّد ان اجهزتنا الأمنية لا تزال مشدودة إلى المفهوم القديم حيث لم تدرك بعد أنّ الأمن في أمن المواطن وأن الأنظمة إلى زوال لا محالة بينما تبقى الأوطان والدول ببقاء مواطنيها وشعوبها.
يا أبناء الاتحاد الأحرار،
يطيب لنا بمناسبة هذه الذكرى أن نهنئ أنفسنا بالنتائج الجديدة التي حقّقناها خلال المفاوضات الاجتماعية هذه السنة سواء في قطاع الوظيفة العمومية أو في القطاعين العمومي والخاص من زيادات في الأجور، لكن ما يسيئنا ويشغلنا هو ما نشهده يوميا من التهاب في الأسعار إلى درجة تهدّد جدّيا المقدرة الشرائية والتوازنات الاجتماعية.
إن من واجب الحكومة التنبه إلى هذه الظاهرة المستفحلة والتي تعود أسبابها إلى تجاوزات موصوفة لعلّ من أهمّها الاستهتار السافر لبعض التجار والمضاربين بقرارات تحديد الأسعار، وإلى مواصلة الممارسات الاحتكارية على جلّ مسالك التوزيع في غفلة من هياكل الرقابة أو بتواطؤ منها وإلى استفحال ظاهرة تهريب السلع بشكل مثير للاستغراب والتساؤل حول سهولة اختراق الحدود من طرف المهربين الذين يستنزفون مقدرات الأسواق الداخلية دون رادع يردعهم، فيتسبّبون بذلك في ندرة السّلع والتهاب الأسعار التي انهكت المواطن وارتهنت قدرته على مواجهة مستلزمات الحياة من صحّة وتعليم ولباس وغذاء وغيرها من الضروريات المعيشية.
أيّها المناضلات.. أيها المناضلون،
إن الواجب يدعونا اليوم إلى الانتباه الشديد لتفاقم تردي الأوضاع الاجتماعية في بلادنا فالشعارات التي ردّدتها الجماهير الشعبية مع انطلاق الثورة منذ عامين، لا تزال تدوي هنا وهناك محورها الحقّ في التشغيل والحقّ في التنمية والحقّ في الحرية والعيش الكريم.
مازالت البطالة تهدّد مئات الآلاف من التونسيين جلّهم من الشباب ومن خريجي الجامعات، والسّبب عقم سياسات التشغيل والاستثمار المعتمدة، والغريب أن الحكومة من خلال الميزان الاقتصادي لسنتي 2012 و2013 لا تزال مصرّة على اتباع نفس النهج حيث حافظت على نفس السياسة الجبائية المجحفة متجاهلة كلّ الدعوات لمراجعة المنوال التنموي الحالي والذي اثبت حدوده منذ سنوات.
إنّ ما حققناه اليوم في سياق الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا والذي بات يحتم على مختلف الأطراف الاجتماعية مراجعة العلاقات الشغلية هو في غاية الأهمية، فقد انتهينا منذ دقائق من التوقيع على عقد اجتماعي مع شريكنا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ومع الحكومة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية وبحضور المدير العام لمنظمة العمل الدولية والأمين العام السابق للكنفيدرالية النقابية العالمية السيد ڤاي رايدر.
إن الهدف من هذا العقد، الأول من نوعه في تاريخ تونس الحديثة، هو التوافق حول منوال تنموي بديل يستجيب لطموحات وانتظارات الشغالين في العمل اللائق والحماية الاجتماعية، ويؤسّس لاقتصاد متين يضمن التضامن والتوازن ويؤمّن القدرة التنافسية والدوام للمؤسّسة.
إنّ ما حقّقناه كأطراف إنتاج ثلاثة من توافق والذي جاء تتويجا مثمرا لعدّة اشهر من المداولات والمشاورات، نأمل أن يمثّل خطوة نوعية لإقامة علاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم في إطار ميثاق وطني واضح يعكس التفاهم حول مبادئ وغايات وقيم مشتركة بين جميع مكونات الشعب التونسي ويجسّد مشاركة جميع أفراد المجتمع في صياغة تلك القيم وفي وضع مبادئها.
أمّا على صعيد أخر فقد حاولنا من خلال تقديم مشروع دستور لتوضيح وجهة نظرنا لما يمكن أن يكون عليه دستور تونس الجديد. آملين أن يؤسّس هذا الدستور لمبادئ وقيم أساسية مثل الحريات العامة والفردية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتضامن الوطني، بوصفها مرجعية مشتركة لكلّ افراد المجتمع وقيما مقدّسة وضرورية للتعايش داخل المجتمع.
إننا على يقين أن مسار الانتقال الديمقراطي لن يكتمل إلا إذا أرفقنا الإصلاحات الاقتصادية بإصلاحات اجتماعية مكرسة لمفهوم العمل اللائق وقائمة على احترام المبادئ الأساسية المنصوص عليها في معايير العمل الدولية، وهذا ما يدفعنا تحديدا الى الحرص على تنزيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية بالدستور الجديد.
إن ذلك لن يكون ممكنا إلا إذا حصل الوعي لدى أفراد ومكونات المجتمع بحقوق المواطنة الكاملةّ، وتوفرت لديهم حرية الإرادة في تسيير حياتهم الخاصة والعامة دون قيود والتواصل فيما بينهم والحوار والتشاور في كل القضايا التي تهم المجتمع والدولة.ولا يمكن تحقيق ذلك دون الممارسة الديمقراطية الراسخة المجسدة للمواطنة الكاملة بوصفها الأساس والركيزة المكونة لعناصر الدستور المطلوب.
إن تمسكنا بدسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحق النقابي نابع من حرصنا على قطع الطريق أمام إعادة إنتاج الاستبداد المفسد للعلاقات الاجتماعية. وكل محاولة لاستهداف وتقييد هذه الحقوق إنما هي ضرب لحقوق الإنسان وارتهان لمقومات الحوار الاجتماعي ولن يجد لدينا إلا المقاومة والتصدي.
يا أحرار الاتحاد،
إن وفاءنا لتونس ولشعبها هو وفاء لرواد الحركة النقابية الذين نستلهم منهم حب هذا الوطن وننهل من مسيراتهم النضالية أروع ضروب النضال والتضحية.
وكم يزداد فخرنا لمّا يردّد اسم الاتحاد بكثير من الاحترام والإعجاب في المحافل الدولية تقديرا للدور الريادي الذي ما انفك يلعبه داخل المجتمع لإعلاء كلمة الحق ونصرة المظلومين والمحرومين وللدفاع عن القيم الكونية.
إن ما سجلناه من حسن الاستقبال ومن فهم لمواقفنا وانتظاراتنا خلال زيارتنا الأخيرة إلى فرنسا ولقاءنا مع وزير خارجيتها السيد لوران فابيوس وكذلك السيد برتران ديلانوي رئيس بلدية مقاطعة باريس، إنما هو اعتراف نباهي به. ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى قرار بلدية باريس بأن يحمل احد شوارع العاصمة الفرنسية اسم الزعيم الخالد فرحات حشاد وإلى الوعود الصريحة بشأن استعادة الأرشيف المتعلق باغتياله وكذلك الموقف الايجابي من مسألة المديونية، لنؤكّد المكانة الرفيعة التي بات يحتلّها الاتحاد في الخارج والتي أصبحت تمثّل مفخرة مناضليه وأفراد الشعب التونسي بأسره.
أيّتها المناضلات.. أيها المناضلون،
إننا في الاتحاد العام التونسي للشغل وإذ نعتبر بهذه المناسبة تحقيق أهداف الثورة مسؤولية جماعية تستدعي مزيدا من الالتزام والتضحية فإننا نحيي كذلك الثورات العربية على الحكام المستبدين في سعيها إلى إقامة نظم ديمقراطية حرّة، بما يضمن الكرامة لكافة شعوبها وتحقيق مطالبها المشروعة، بعيدا عن كل تدخل أجنبي، كما نحيّي الخطوة التاريخية التي تخطوها حاليا فصائل المقاومة الفلسطينية في اتجاه توحيد نضالها ضد الكيان الصهيوني، من أجل تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
عاشت تونس حرة منيعة أبد الدهر
عاش الاتحاد العام التونسي للشغل مستقلا ديمقراطيا ومناضلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق