2013/04/19

من”العدالة الإنتقاليّة” إلى “عدالة الانتقال الدّيمقراطي” ؟ المفهوم العام والسّياق التونسي


من”العدالة الإنتقاليّة” إلى “عدالة الانتقال الدّيمقراطي” ؟ المفهوم العام والسّياق التونسي (ج1)


| مارس 13, 2013 على الساعة 13:09 | عدد المشاهدات: 192
التصنيفات: المشهد الحرمقالات رأي,

المشهد التونسي – مقال رأي
418894_617156788299721_644804338_nمن”العدالة الإنتقاليّة”[1] إلى “عدالة الانتقال الدّيمقراطي”[2] ؟ المفهوم العام والسّياق التونسي[3]
من الطبيعي أن تعقب كلّ ثورة “فترة انتقاليّة” – قد تطول وقد تقصر حسب الظروف – ويكون الإهتمام منصبّا خلال هذه الفترة على هدم ما تبقّى من النظام المنهار، وبناء النظام المنشود على أسس تخدم أهداف الثورة. إنها “مرحلة هدم وبناء متزامنين (Destruction / Construction) : مرحلة تتحسّس فيها المجموعة مواطن الخلل ومواطن الصحّة فتقرّر الإبقاء أو الهدم وإعادة البناء بحسب ما يقتضيه التشييد للمستقبل الذي يتصوّره ويتوقّعه أصحاب هذه الثورة.”[4] وهو ما تعيشه تونس ما بعد الثورة الآن، إذ أننا نمرّ بالفترة الانتقاليّة الثانية التي تلت الثورة  والتي تسبق مرحلة بناء “الجمهورية الثانية”.
بحيث أن البناء يستدعي هدم المنظومة القديمة أولا، كما أن  الهدم لا يعني بأي حال من الأحوال سيطرة شريعة الغاب أو الانتقام، بل إن مؤسسة المجلس الوطني التأسيسي[5] ، في بلادنا، هي التي ستضطلع بذلك في إطار دستوريّ بحت. بعبارة أخرى فإن الهدم والبناء دستوريّان بالأساس : هدم دستوريّ عبر إيقاف العمل بالدستور القديم[6]، وبناء دستوريّ عبر وضع دستور جديد للبلاد. حينئذ فإن منحى الهدم والبناء قد تجسّم في سياق الثورة التونسيّة في إطار مؤسّساتيّ بحت عهد له الشعب تحقيق أهداف الثورة[7] عبر وضع دستور جديد للبلاد[8] وهذا الإطار هو المجلس الوطني التأسيسي “لذلك تعتبر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تنافسا على تحقيق أهداف الثورة في دستور جديد”[9].
في إطار هذه الفترة الانتقاليّة تسير البلاد نحو التحوّل من الديكتاتورية إلى الديمقراطية وهو ما يعبّر عنه بمصطلح “التحوّل الديمقراطي” الذي يحدث أثناء فترة “الانتقال الديمقراطي”. وفي هذه الفترة الحسّاسة أيضا توضع حقبة الماضي على طاولة البحث والتقصي قصد كشف مكامن الخلل والفساد ومحاسبة الجناة تمهيدا للمصالحة الوطنية الشاملة. إنه سعي دؤوب ومتزامن نحو المحاسبة بالدّرجة الأولى ثمّ المصالحة لاحقا.
وقد يبدو للوهلة الأولى من غير المنطقي أن يتمّ الجمع والرّبط بين المحاسبة والمصالحة في إطار واحد جامع، لأن المحاسبة تفترض المرور عبر القضاء بما يستتبع ذلك من إجراءات غايتها بالأساس ثبوت الإدانة وإيقاع العقاب، أما المصالحة فتفترض حلّ المشكل بطريقة وديّة بالأساس. لذلك تمّ وضع مفهوم “العدالة الانتقاليّة” ليتكفّل بهذا الرّبط. وهنا تكمن طرافة المفهوم وغموضه في آن.
يتّضح مما سبق عرضه أعلاه أن مصطلح “الانتقاليّة” يسيطر على المعجم الاصطلاحي لتونس ما بعد الثورة، ولئن كان هذا المصطلح طبيعيا في السياق العام لكل الثورات وللثورة التونسية بصفة خاصة، فإن ربطه بمصطلح العدالة يثير تساؤلين جوهريّين : كيف تكون العدالة “عدالة انتقاليّة” في حدّ ذاتها من جهة ؟ وكيف تتنزّل هذه “العدالة الانتقالية” في السياق التونسي من جهة أخرى ؟
 إن الإجابة عن هذين التساؤلين يمرّ حتما – في نظرنا – عبر محاولة ضبط المفهوم العام للعدالة الانتقاليّة في حدّ ذاته (I) من جهة، قبل التعرّض إلى سياق العدالة الانتقالية في تونس (II) من جهة أخرى.
I – ضبط المفهوم العام للعدالة الإنتقاليّة في حدّ ذاته :
يعتبر مفهوم “العدالة الإنتقاليّة” من المفاهيم الجديدة التي مازالت بصدد التشكّل بمعنى أنه لا يمكن بعد حصره في تعريف جامع مانع بل هو مفهوم متطوّر يقوم على مراكمة التجارب في سياقات مختلفة.
ولكن ذلك لا ينفي وجود خطوط عريضة للمفهوم تبلورت في خضّم التجارب السابقة سمحت بوجود مفهوم متداول للعدالة الانتقاليّة[10] ولكنه يبقى مع ذلك – في نظرنا – قابلا للنقد، وهي فرصة لعرض هذا المفهوم المتداول (أ) من جهة قبل نقده وعرض التعريف المقترح (ب) من جهة أخرى.
أ – عرض مفهوم العدالة الإنتقاليّة :
يعرّف المركز الدولي للعدالة الانتقالية بأنها “مجموعة التّدابير القضائيّة وغير القضائيّة التي قامت بها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمن هذه التّدابير الملاحقات القضائيّة ولجان الحقيقة وبرامج جبر الضّرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.”[11]
يتّضح من هذا التعريف أنه تعريف متطوّر (1) من جهة، وإجرائيّ /غائيّ (2) من جهة ثانية ومتعدّد الأوجه من جهة ثالثة (3)ويتمحور حول انتهاكات حقوق الانسان (4) من جهة رابعة.  وأخيرا هو تعريف زمنيّ (5) :
(1) تعريف متطوّر : لأنه يقوم على مراكمة التّجارب السابقة واللاحقة، أي أن كلّ تجربة هي بمثابة اللبنة في مسار بناء التّعريف المنشود، ممّا يدلّ أيضا أن كل تجربة في سياق العدالة الإنتقاليّة تستفيد من التجارب السابقة وتضيف إليها الشيء الجديد. كما أن لكلّ تجربة خصوصيّتها بمعنى أن الاستفادة من التجارب السابقة في العدالة الانتقاليّة لا يعني بأي حال من الأحوال استنساخها برّمتها وإسقاطها على واقع مغاير لواقعها الذي نشأت فيه. بحيث يمكن القول أن العدالة الانتقالية تحتوي على نواة صلبة بصدد التشكّل من مراكمة التجارب وهي تشكّل “الجذع المشترك” في التعريف، كما تحتوي أيضا على عناصر متغيّرة حسب السياق الذي تتنزّل فيها.
(2) تعريف إجرائيّ / غائيّ : لأّنه لا يعرّف مفهوم العدالة الانتقاليّة في حدّ ذاته بل يحيل إلى جملة الإجراءات المتّبعة لتحقيق العدالة الانتقاليّة التي تصبح غاية التعريف، وليست التعريف. وهو ما يتحقّق عبر إصلاح المؤسسات مما يحول دون العودة إلى الوراء.
(3) تعريف متعدّد الأوجه: يحيل مصطلح العدالة الانتقاليّة للوهلة الأولى إلى مفهوم العدل، ومن ثمّة إلى القضاء، بحيث يكون المسار الأوليّ للعدالة الانتقالية مسارا قضائيّا بامتياز، ممّا يجعل السلطة القضائية هي المرجع الأول والأخير في فصل الأمور بقول كلمة القانون في المسالة التي تحزم النزاع فيصدر الحكم القضائي محرزا على قوّة اتصال القضاء وينفّذ. ولكنّ العدالة أشمل وأعمّ من العدل إذ
“العدالة هي أرقى درجات العدل”[12]، بحيث أن العدالة ممكنة التحقّق وفق هذا التصّور دون المرور بالقضاء، أو إضافة إلى المرور بالقضاء، لذلك نجد أن التعريف يمزج بين التّدابير القضائية من جهة وغير القضائية من جهة أخرى. كما يمزج التعريف بين الملاحقات القضائية من جهة ولجان الحقيقة من جهة أخرى. وبالتالي يمكن وفق هذا المنطق أيضا أن يصدر حكم و/أو صلح في نفس الوقت.
(4) تعريف يتمحور حول انتهاكات حقوق الإنسان : تهدف العدالة الانتقالية وفق هذا التعريف إلى معالجة ما ورثته الدول – التي تمرّ بفترة انتقالية – من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. والمعالجة تقضي في المقام الأول تشخيصا ومن ثمّة تقديم العلاج. بحيث يرتكز مفهوم العدالة الانتقالية في جوهره على فتح صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان طيلة حقبة زمنيّة معيّنة، بغية تشخيص أسبابها والتشخيص يقتضي في المقام الأول جلسات استماع للمتضررين وللجلادين على حدّ السواء ومن ثمّ اقتراح العلاج لها، والعلاج يتقضي العقاب أيضا و/أو المصالحة حسب الظروف، وصولا إلى رصد الطرق والآليات التي تحول دون تكررا المأساة. أو بلغة الطبّ تقوية جهز المناعة كي لا يتسرّب الفيروس إلى الجسد مجدّدا. “ولأنّ الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الانتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.”[13]
(5) تعريف زمنيّ : يحيل مفهوم العدالة الانتقالية إلى الفترة التي ينطبق فيها وهي فترة الانتقال الديمقراطي، بحيث يركّز على زمن انطباقه أكثر من تركيزه على العدالة في حدّ ذاتها، فالمهمّ هو الفترة الانتقالية وكيفيّة الخروج منها بسلام بغية بناء نظام ديمقراطي. وهنا تكمن خطورة المفهوم حسب رأينا لأن التركيز على الفترة قد يكون على حساب العدالة.
يتّضح من جملة ما تقدّم أن مفهوم العدالة الانتقالية يتّسم بالضبابيّة لأنه مفهوم بصدد التشكّل، ولكنّ ذلك لا يمنع من رسم خطّ عريض للمفهوم، وتكون العادلة الانتقاليّة بهذا المعنى عبارة عن جملة من الآليات المتّخذة خلال فترة الانتقال الديمقراطي بغية كشف الحقيقة قصد طيّ صفحة الماضي في مجال انتهاك حقوق الانسان تحديدا مع ما يستتبع ذلك من محاسبة ومصالحة  بغية إرساء دولة القانون والمؤسسات. ولكنّ هذا التعريف يظلّ مع ذلك قابلا للنقد.
ب – نقد مفهوم العدالة الإنتقاليّة : نحو عدالة الانتقال الدّيمقراطي
تهدف العدالة – عبر مرفق القضاء أساسا – إلى الحفاظ على السلم الأهلي وذلك بأن يعهد لجهاز مستقل في الدولة مهمة فضّ النزاعات وقول كلمة القانون، ويحيل مفهوم العدالة بالتالي إلى الثبات والدّيمومة. أما مصطلح “”الانتقالية فهو يحيل إلى مفهوم شامل وهو الإنتقال الدّيمقراطي، الذي يمثل فترة محدودة في الزمن في سياق المرور إلى نظام ديمقراطيّ بحيث أن الفترة الانتقالية هي بالضرورة مؤقتة في الزمن.[14] في هذا السياق ألا يوجد تناقض بين فكرة الديمومة والثبات المرتبطة بالعدالة وفكرة الطابق المؤقت بالمرتبط بالفترة الانتقاليّة ؟[15]
إن مصطلح “العدالة الانتقالية” يكتسي خطورة كبرى أحيانا إذا قد يؤدي إلى إدراج كل القضايا في إطار العدالة الانتقالية فيفقد القضاء مهمّته الأصليّة والحصرية في قول كلمة القانون في النزاعات المعروضة عليه، ويؤدي بالتالي إلى وجود مؤسسات موازية تنافس القضاء في مهمّته تحت غطاء العدالة الانتقاليّة. كما أن مصطلح العادلة الانتقالية قد يكون أحيانا وسيلة للتهرّب من المحاسبة أو على العكس تماما وسيلة للانتقام إذا لم تضبط حدوده بصفة واضحة.
أاأ بحيث وجب حصر “العدالة الانتقالية” في نوع معيّن من القضايا التي تكتسي خطورة بالغة وهي بالتحديد قضايا التعذيب وانتهاك حقوق الانسان بصفة عامة. بعبارة أخرى “يقتصر نطاق العادلة الانتقالية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم دولية معيّنة كالإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية والخروقات الجسيمة لقوانين وأعراف الحرب”[16]. وهذه العدالة بما تحمله من لجان حقيقة وبحث ومحاسبة مصالحة هي التي تؤمّن الانتقال الديمقراطي وتجنّب البلاد الرجوع إلى الوراء وهي بهذا المنطلق تعتبر “عدالة الانتقال الديمقراطي”[17]. أما بقيّة القضايا فهي تندرج في سياق القضاء العادي بمختلف فروعه الذي يجب أن يخضع إلى إعادة بناء على قاعدة الفصل بين السلط.
استنادا إلى ما سبق فإن “العدالة الانتقاليّة” تحمل  - حسب رأينا -  شحنة من المغالطة فهي توحي بأن “العدالة” هي الانتقاليّة، والحال أن العدالة هي نفسها في كل الفترات تبحث عن الحقيقة وتحاسب الجناة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون انتقاليّة بل إن مصطلح “انتقاليّة” لا ينطبق مطلقا على العدالة وليس له أي معنى يذكر، ولكنّ الفترة هي الانتقاليّة من الحالة الديكتاتوريّة إلى الحالة 
الديمقراطيّة. وتمتدّ هذه الفترة إلى حين تركيز مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد الذي يمرّ حتما عبر صياغة الدستور.
 بحيث أن العدالة في مفهومها العام ثابتة والفترة انتقاليّة لتصبح التّسمية الأصحّ – في نظرنا – هي : “عدالة الانتقال الديمقراطي”[18] فهذه العدالة فقط هي التي تخضع لآليات الفترة الانتقالية  القضائية وغير القضائيّة والتي ستمكّنها من تجاوز الفترة السابقة قصد بناء دولة القانون، أما بقيّة القضايا فهي تخضع للمسار الطبيعي للعدالة وبالتحديد للقضاء.
يتّضح من جملة ما تمّ بسطه أعلاه أن “العدالة الانتقالية” مفهوم في طوق التشكّل وهو بالتالي منفتح على كلّ السياقات التي تثريه وتساهم في بلورة المفهوم الذي لم يستقرّ إلى حدّ الآن على تعريف جامع مانع، وما التسمية التي اقترحناها في هذه الدراسة إلا دليل على  محاولة تشكيل هذا المفهوم. ويندرج سياق عدالة الانتقال الديمقراطي في تونس في هذا الإطار عبر إثراء المفهوم.



[1] «La justice transitionnelle »
[2] « La justice de la transition démocratique »
[3] هذا المقال سبق وأن نشره الباحث على” موقع الشعب الكريم” وطلب إعادة نشره على موقعنا
[4] منير العياري، “تأصيل شعارات الثورة (الشعب كتب دستوره)”، مجمع الأطرش للكتاب المختصّ، تونس 2012، عدد 17، ص. 12
[5] المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 والمتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 33، المؤرخ في 10 ماي 2011، ص. 647 وما يليها
[7] يعتبر مطلب المجلس الوطني التأسيسي من بين أهم مطالب “اعتصام القصبة 2″، الذي شكّل منعرجا حاسما في سياق تحقيق أهداف الثورة، وينمّ في جوهره على مدى تأصّل الوعي والمدنيّة في الشعب التونسي
[8] وهو ما نصّ عليه الفصل 2 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط من أن المجلس الوطني التأسيسي يتولى بصفة أصلية وضع دستور للجمهورية التونسية، كما يتولى أيضا بالخصوص : (1. ممارسة السلطة التشريعية، 2. انتخاب رئيس المجلس الوطني التأسيسي، 3. انتخاب رئيس الجمهوريةّ، 4. الرقابة على وعمل الحكومة)”، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 97، المؤرخ في 20و23 ديسمبر 2011، ص. 3111 وما يليها
[9] منير العياري، مرجع سابق الذكر، عدد 15، ص.11
[10] Fabrice HOURQUEBIE« La notion de « justice transitionnelle » a-t-elle un sens ? »in,  « VII Congrès de Droit Constitutionnel AFDC : 50 èmme anniversaire de la Constitution de 1958 Atelier n° 5 Constitution et Justice »يراجع :
[11] http://ictj.org/ar/about/transitional-justiceانظر موقع المركز الدولي للعدالة الانتقالية على شبكة الانترنيت
[12] منير العياري، مرجع سابق الذكر، عدد 17، ص. 12
[13] http://ictj.org/ar/about/transitional-justiceانظر موقع المركز الدولي للعدالة الانتقالية على شبكة الانترنيت
[14] ومن هنا جاء مصطلح الحكومة المؤقتة، فكونها شرعية لا يعني أنها دائمة، وكونها مؤقتة لا ينزع عنها شرعيّتها، فالحكومة شرعيّة في سياق انتقال ديمقراطيّ وهي فترة مؤقتة، وبالتالي فصفة المؤقتة مرتبطة بالفترة وليست لها أي علاقة بالشرعيّة
[15] Fabrice HOURQUEBIE, article précité, p. 3انظر :
[16] إيريك سوتاس، “العدالة الانتقالية والعقوبات“، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر، المجلد 90، العدد 870، يونيو/حزيران، 2008، ص. 90
[17] « La justice de la transition démocratique »
[18] بالرّغم من كون مصطلح “عدالة الانتقال الديمقراطي” هو الأنسب في نظرنا وندافع عنه، بل ونطالب باعتماده بدل مصطلح العدالة الانتقالية تجنّبا للبس المشار إليه أعلاه، إلا أننا سنواصل اعتمادا مصطلح “العدالة الانتقالية” في الجزء الثاني من الدراسة لسببين : السبب الأول هو أن مصطلح العدالة الانتقالية ساد وطبع في الأذهان إلى درجة يصعب معها التنازل عنه بسهولة بل إن التنازل عنه قد يؤدي إلى وقوع خلط في الأذهان. أما السبب الثاني وهو الرئيسيّ، فهو قانوني بالأساس لأن مصطلح “العدالة الانتقالية” اكتسى طابعا قانونيا في بلادنا عبر التنصيص عليه صلب التنظيم المؤقت للسلط العمومية من جهة وعبر إحداث وزارة تحمل تسمية المصطلح من جهة أخرى.
*وليد غبّارة، باحث رسالة دكتوراه

التحول والانتقال الديمقراطي: النسق المفاهيمي


التحول والانتقال الديمقراطي: النسق المفاهيمي

 
Democratic Transition and Transformation: Conceptual Framework
هناك عدة مدارس تقدم الانساق المفاهيمية لبعض الاصطلاحات لموضوع الحراك الديمقراطي في معظم البلدان، ومنها المدرسة التحديثية ، والمدرسة البنياوية والمدرسة الانتقالية، كمدارس معترف بها في العلوم السلوكية. وهذه المطالعة تحاول ان تقدم  للمهتمين بالحراك الديمقراطى الجارى الان فى المنطقة ألعربية نمطا من النسق المفاهيمى المبسط  لهذه المقاربات. ولعل متخصص في الدراسات الامبيريقية  يقول ماهى المؤشرات التى قد تدل على ان في دولة ما هناك  انتقالا او انفتاحا او تحولا ديمقراطيا ، وهل مؤشر واحد يكفى لان يكون هناك مؤشرا رئيسيا ام تابعا؟ وهل يمكن تصنيف المؤشرات ان وجدت الى داخلية وخارجية، فالوصفة المطلوبة صعبة التحقق نظرا لاختلاف طبيعة المؤشرات من دولة الى اخرى.
الانتقال الديمقراطى:Democratic Transition    
ليس كل انتقال في الحراك السياسى  هو بالضرورة  ديمقراطى النسق والمفهوم ولكن يمكن ان يكون  افعال وردود افعال  عن مطلب الديمقراطية المشروع  وتكريسا للاستبداد والانتقال الديمقراطى  يتحدد من خلال  التخلى الكلى عن  معالم  النظام التسلطى  والانتقال التدريجى سلميا نحو تجربة  منظمة تتسم معالمها  ببناء  المنظومة الديمقراطية المتكاملة . ولهُ آلياته وشروطه الزمنية والمكانية والنسقية والتى تختلف من  دولة الى اخرى حسب بنيانها السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعي والانتقال الديمقراطى مرحلة من ضمن مراحل البناء المؤسسى للديمقراطية .
ومن هنا فان الانتقال الديمقراطى  ليس وجها اخر  لمنظومة التسلط وإعادة  إنتاجها، وهو يختلف عن الانقلاب السياسى والذى بمثابة  تغير وتغييرات مفاجئة  في الدولة  ونظام الحكم ،  تغيير  تعتمد قيادته على  جماعة نافذة وتمتلك مقومات القوة ، او من خلال  المؤسسة العسكرية  والتى تهدف فقط الى الاستيلاء على السلطة وتسيير  الدولة  بالقوة.
والانتقال الديمقراطى يختلف عن  مفهوم الثورة  والتى من صورها العنف  من خلال النضال المسلح  تقوم به جماعات او مجموع الشعب ضد منظومة الدولة التسلطية  والخروج  من حواجز الخوف  وعن قوانينها التسلطية.
وبالتالي فأن الانتقال الديمقراطى في هذا النسق  يتضمن  مفهوم العدالة الانتقالية  تتويجا  لسلسلة من  الانتقالات السلمية  تتصف بانتقال النظام السياسى  من حالة الاستثئار بمخزن  السلطة  والدكتاتورية  الي ركح الديمقراطية  بطريقة  سلمية  متوافقه  وبسرعة طرديه  تنتجها  مرحلة الانتقال  وفقا لأوضاع  مجتمع  معين  وخصوصيته  الثقافية والتاريخية.
وينبغى كذلك التمييز بين الانتقال الديمقراطى والحكومة الانتقالية  والتى  تعنى في فترة زمنية محددة ومعينة  تشكيل حكومة  في انتظار الوضع النهائي لحالة الانتقال الديمقراطى ، ومنها الانتخابات والدستور  وبقية منظومة الانتقال الديمقراطى.
وأخير وجب  التشديد على ان الانفتاح السياسى والإصلاح  والانتقال  الى الديمقراطية  والتحول الديمقراطى  ليست  مترادفات  للانتقال الديمقراطى  وهى لا تعنى  الانتقال الديمقراطى في أى معنى من معانية.
الانفتاح السياسى:  Political Divergence    
وهو عبارة عن تنامى  مشاعر قد تكون مُعقلنة من طرف  السلطة القائمة  او الاقلية الحاكمة  ان مؤسسة السلطة لديها  تتآكل  حتى  وان  شرعية وجودها  غير مبررة  ان كانت مشروعية  سياسية او تاريخية او حتى مشروعية ثورية .
وفي هذه البيئة  التى تتسم  بأزمة الشرعية  تعمل السلطة  علي تقديم تنازلات  سياسية من حيث منح المزيد من  الهوامش للحرية الفردية  والعامة ، والانفتاح السياسى هنا هو تعبير يشير الى  عجز الارادة السياسية للسلطة  في الاستمرار  في الحكم بأدواتها التقليدية.  وقد يصل النظام السياسى العاجز على ادارة شؤون السلطة  الى ما قد يسمى  بالانتقال نحو ألديمقراطية ولكن بشراكة جديدة  مع قوى التغيير والتى  تعمل على توظيف الانفتاح السياسى لصالحها.
اذا الانفتاح السياسى هو  اسلوب  للدولة العاجزة  على ان  تقدم نفسها الى سؤال الانتقال الديمقراطى  ومواجهة المطالب الشعبوية العادلة في الانتقال الديمقراطى. وديمقراطية الانفتاح السياسى  وإبعاده العملية لا تخرج عن  بعض المظاهر والعطايا المادية المُسكنة  لطالبى  الانتقال الديمقراطى المشروع.
الانتقال الى الديمقراطية:  Transition Toward Democracy   
في فترات تاريخية معينة والتى تمر بها المجتمعات  تتم فيها عمليات الانتقال الديمقراطى  التعاقدى والتعاهدى من خلال  مرجعية  مستقرة وثابته تعرف بالدستور او العقد الاجتماعى  او القانون الاساسى للدولة .  وفي هذا  الانتقال الى الديمقراطية  يتحول  النظام السياسى  المستهدف  من  نظام الدولة الابوية  التقليدية وحكم الاقلية والفر دانية  الى  المأسسة السياسية للديمقراطية  القائمة على الشراكة والمواطنة  والفصل بين السلطات  واستقلال القضاء  وحرية تشكيل الاحزاب  وشراكة منظمات المجتمع المدنى.
والانتقال الى الديمقراطية هو ايضا مرحلة من ضمن مراحل البناء المؤسسى لديمقراطية وليس كل الديمقراطية. وفي هذا النسق المفاهيمى  يمكن ان تتحول  شعارات الديمقراطية  الى مجرد  بهرجة واحتفاليات  ودعوات وهمية  ومُظللة حول هذه المرحلة في ظل سيطرة  الحرس القديم  لمقومات القوة  وهذا السيناريو عادة ما يلاحظ في نظم الحكم الملكية العربية.
التحول الديمقراطى:     Democratic Transformation
وهو عمليات مستمرة  تخوضها المجتمعات  بعد  ان  تصنع  وتخلق دولتها  العربة الحاملة  لمتغيرات التحول الديمقراطي وليس العكس والذى يدخل اطار التصنيفات النسقية السابقة الذكر. فالتحول الديمقراطى  مشروطيته في تحوله خلال  مراحله الى صيرورة  ودمج المشروع الديمقراطى التحولى  في المنظومة المجتمعية السياسية والثقافية والاجتماعية الاقتصادية وانعكاس ذك على سلوك المواطنة الفردانى والجمعوى. فهى ليست مجرد توافقات سياسية مظهرية  تفرضهُ المرحلة القائمة او ألمصلحة وفي ازمنة التحول الديمقراطى الكل يقف خلف منظومة من القيم المتفق بشأنها ووضوح مرجعيات التحول الديمقراطى.
التحول الديمقراطي في أي كيان مجتمعي قائم لا يمكن انجازه صدفة أو بعيداَ عن الإرادة الوطنية ، بل هو وليد مخاض مواطني وللجهد نحو الانجاز لهذا التحول. انه وليد لإرادة الإنسان الباحث عن التغيير والرافض والمقاوم لكل الاحباطات والمؤامرات، ضد إرادة ألتغيير والتي منها تتم ولادة عملية التحول الديمقراطي. إرادة التغيير ليست حكرا علي فئة نخبوية أو جمعوية أو طائفية أو قبلية، أو حني طبقة ألمحاربين فهي الدور المركزي في كل المجتمعات التي مرت بالتحولات ألكبري.
الإيمان بتفضيل الأنظمة الديمقراطية علي أنظمة الاستبداد والقمع والديكتاتورية لا يكفي، وإنما  ثقافية الديمقراطية دايما تكون بحاجة إلي إرادة التغيير والفعل الحقيقي التى تمتلك الاستعدادات  المخلصة لترجمة ألتضحيات ومجابهة ثقافية الخنوع والاستبداد والفر دانية السياسية. أنها الإرادة الاجتماعيةSocial Will) ) تعمل مخلصة لصالح التحول الديمقراطي وإدراك أهميته. التحول الديمقراطي لا يتحقق بالخطب الرنانة وتعطيل المصالح والمظاهرات والاعتصام  والشعارات ، بل من خلال التواصلية والمصالحة مع ألوطن يتجه نحو المأسسة للبني التحتية للمشهد الديمقراطي وواقعه المجتمعي التحولى.
 فالتحول الديمقراطي سوف لن يتم بعيدا عن الإرادة الاجتماعية والشعبية للمواطنة، لأنها سوف تفتقد إلي العمق السياسي  والذي يجذر قواعدها، لا يمكن بعدها والتراجع عن خياراتها. ألديمقراطية كما أسلفنا مشروع اجتماعي بواجهات سياسية،(Social Enterprise) تستبعد في مشهديتها مظاهر الانقلاب السياسي أو الاستيلاء علي السلطة بقوة ألسلاح الأمر الذي يعرقل استمرار دولة القانون وتأمين الحريات ألافتراضية وقيام أحزاب متنافس وبناء توافقية اجتماعية-سياسية كحد مقبول لفكرة التداول السلمي للسلطة.
والتحول الديمقراطى من ام مشروطيته الامتزاج العاقل الرشيد بين هذه المنظومة من قيم التحول والتغير ألاجتماعي التى  توفر إمكانيات الصعود في خطوات عملية في مشروع  ديمقراطي. ممارسة التغيير المجتمعي ليس الكل يمتلك مقوماتها، لأنها تتطلب وعيها وعمقها وقبول نتائجها، ثقافية تعمل علي ترجمة الوعي بالتحول والتغيير إلي برامج مُشرعنة سلوكا وعقيدة.
وهو يتطلب  المزيد من التراكم من العمل المضني الصادق السياسي والاجتماعي والحضري والحضاري، لكي تتحول ثقافية الديمقراطية إلي كثافة وسلوك إلي جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي بكل عناوينه ومشاربه. إذا الوعي والإرادة وثقافية الديمقراطية دروب لابد من الوعي بها في التحولات الديمقراطية

انتقال إسبانيا نحو الديمقراطية


انتقال إسبانيا نحو الديمقراطية

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مبنى البرلمان الإسباني
الانتقال الديمقراطي الإسباني (بالإسبانية: Transición Española) هو المرحلة التاريخية التي انتقلت خلالها إسبانيا من نظام فرانثيسكو فرانكو الديكتاتوري إلى دولةديمقراطية مسيرة بدستور ضامن لدولة القانون. اختلف المؤرخون حول الامتداد الزمني للانتقال الديمقراطي الإسباني، فبينما يحده بعضهم بين تاريخي تنصيب خوان كارلوس الأول كملك لإسبانيا (في 22 نونبر 1975) و دخول دستور 1978 حيز التنفيذ (29 دجنبر 1978)، يحصره آخرون بين 20 نوفمبر 1975، تاريخ وفاة الديكتاتور فرانثيسكو فرانكو، و 28 أكتوبر 1982، تاريخ نهاية فترة حكومة حزب اتحاد الوسط الديمقراطي.
و هناك أيضا من يؤرخ لنهاية الانتقال الديمقراطي الإسباني بين 1985 و 1986، حيث انضمت إسبانيا للسوق الأوروبية المشتركة (سلف الاتحاد الأوروبي) و صادق الشعب الإسباني على استفتاء عضوية الناتو. تمتد تصنيفات بداية المرحلة أيضا إلى 20 دجنبر 1973، تاريخ اغتيال لويس كاريرو بلانكو، بل و حتى إلى سنة 1966 ، سنة اعتماد القانون الأساسي الإسباني و الذي اعتبر آنذاك انفتاحا ديمقراطيا محتشما لنظام فرانكو. و تبقى أكثر تصنيفات المرحلة امتدادا في الزمن هي تلك التي تعتبر بداية حكومة الحزب الشعبي في 1996 نهاية للانتقال الديمقراطي الإسباني.

محتويات

  [أخف

[عدل]أهم الأحداث

الدستور الإسباني لعام 1978
التصنيف الأكثر إجماعًا بين المؤرخين هو ذلك الممتد بين وفاة الفريق فرانكو في 20 نوفمبر 1975 وفوز حزب العمال الاشتراكي الإسباني في الانتخابات التشريعية لعام1982. وفي ما يلي أهم الأحداث المفصلية التي ميزت الانتقال الديمقراطي الإسباني:
  • انتقال السلطة إلى مجلس وصاية حتى 22 نوفمبر 1975، حيث تم تنصيب خوان كارلوس الأول ملكًا لإسبانيا أمام البرلمان.[1]
  • خوان كارلوس الأول يبقي على حكومة سلفه برئاسة كارلوس آرياس نابارو.[2]
  • استقالة رئيس الحكومة كارلوس آرياس نابارو في 1 يوليو 1976 بفعل تضارب الروح المحافظة للحكومة الموروثة من النظام السابق مع إرادة الملك في إصلاح سياسي.[3]
  • تعيين أدولفو سواريث رئيسا للحكومة محل نابارو، وإطلاق حكومته لحوار وطني مع فعاليات الطيف المدني والسياسي الإسباني من أجل إنشاء نظام ديمقراطي في البلاد.[4]
  • مصادقة البرلمان الإسباني على قانون الإصلاح السياسي والذي دخل حيز التنفيذ غداة المصادقة عليه في استفتاء شعبي في 15 دجنبر 1976.[5] من أهم مضامين هذا القانون الأساسي حل النظام القائم وترسيخ مفهوم دولة القانون وتبني نظام برلماني بغرفتين. وكمنت أهمية القانون في خصوصية النظام القائم آنذاك الذي كان مبنيًا على قوانين أساسية تسمو على المنطق الدستوري، مما كان يفرض المرور من هذه الخطوة قبل طرح أي مسودة دستور ديمقراطي لاستفتاء شعبي. ويعتبر الفقيه الدستوري طوركواطو فيرنانديث ميراندا إيبيا مقترح هذه الخطوة التي استجابت لرغبة النخبة السياسية الإسبانية في انتقال ديمقراطي ضامن لحد أدنى من الاستمرارية المؤسساتية والسياسية.
  • في 1977 أجريت أول انتخابات تشريعية ديمقراطية منذ فترة الحرب الأهلية الإسبانية. احتل حزب اتحاد الوسط الديمقراطي المرتبة الأولى دون بلوغه الأغلبية،[6] و تم تكليفه بتشكيل الحكومة. في نفس السنة تم تشكيل لجنة صياغة أول دستور ديمقراطي إسباني.
  • في 6 ديسمبر 1978 صادق الشعب الإسباني على دستور 1978 الذي دخل حيز التنفيذ في 29 دجنبر 1978.[7]
  • في سنة 1981 استقال أدولفو سواريث من رئاسة الحكومة لتراكم مجموعة من الإكراهات كالأزمة الاقتصادية وصعوبة تنزيل الإدارة الجهوية وتكاثف أعمال العنف الصادرة من تنظيم إيتا،[8] إلا أن أكبر مثبط لعمل الحكومة آنذاك كان المقاومة الشرسة لتيارات داخل الجيش الإسباني لأي انتقال ديمقراطي.
صورة تخليدية في 2011 للحاضرين في مبنى البرلمان الإسباني إبان المحاولة الانقلابية ل 1981

[عدل]السياق التاريخي و العوامل الأساسية لنموذج التحول

ساهمت مجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية في تكون وعي سياسي بضرورة دمقرطة نظام الحكم بإسبانيا، و تسريع مرحلة الانتقال الديمقراطي.

[عدل]ثورة القرنفل

خلق نجاح الانتقال الديمقراطي البرتغالي، في 1974، و انهيار ديكتاتورية الإسطادو نوفو (Estado Novo) العسكرية ارتباكا في الأوساط المساندة لنظام فرانكو. فبسبب الشبه الكبير بين النظامين و تقاسم المجتمعين الإسباني والبرتغالي لمجموعة من السمات الاجتماعية و السياسية و التاريخية، تولد لدى الحراكين الديمقراطيين في البلدين وعي بوحدة المصير سهل امتداد المد الثوري البرتغالي إلى الجار الإيبيري و إن كان بصيغة أكثر سلمية من الانتقال البرتغالي.[13] وفيما يلي عوامل التحول المشتركة بين البلدين:
  • نظامان ديكتاتوريان عسكريان معمران (الأقدم أوروبيا منذ ثلاثينات القرن العشرين).
  • حضور قوي و مهيكل للقوى اليسارية في النقابات و الجامعات وفي أوساط المغتربين.
  • ظهور طبقات وسطى واعية سياسيا منادية بالدمقرطة السلمية. يعتبر هذا المكون عاملا أساسيا في تسريع التحول، لأن استمرار حضور أهوال الحرب الأهلية الإسبانية و الحروب الكولونيالية البرتغالية في المخيال الجماعي جعل الحراك الديمقراطي أكثر جنوحا للسلمية و لاستمرارية المؤسسات.
  • ظهور تيارات إصلاحية في المؤسستين العسكريتين للبلدين، تحت تأثير الانهيار السريع لسياستيهما الكولونيالية في إفريقيا في بداية السبعينات.[14]

[عدل]الملكية

ورث خوان كارلوس الأول نفوذا و سلطة واسعين على أساس القانون الأساسي لانتقال الحكم (لسنة 1947) بعد تعيينه خلفا من طرف فرانكو سنة 1969. و بمجرد توليه الحكم انخرط في مسلسل الدمقرطة مساندا من المنتظم الدولي و من الطيف السياسي الإصلاحي و الطبقة الإقتصادية و حتى من أوساط واسعة من الإدارة الفرانكوية. لعب دورا حاسما في دفع الإدارة و القضاء و الجيش في تبني قيم التغيير و جعل الملكية نقطة مرجعية يسرت انتقالا دون فراغات على مستوى القيادة أو على المستوى القانوني. كان على الملك المبتدئ آنذاك قيادة هذا المسلسل تحت مجموعة من الإكراهات:
  • المحافظة المتشددة للفرانكويين: شكل أنصار إسبانيا الفرانكوية، المعروفين في الأدبيات الإسبانية بالأولطراس (ultras) أو البونكر (bunker)، مصدر خطر مستمر لظهور ردة ديمقراطية خلال سنوات الانتقال الديمقراطي. و ذلك لتوغلهم داخل المؤسسة العسكرية و مؤسسات الدولة. كان للسياسة التوافقية (و الغير إقصائية) التي نهجها الملك دور في التحييد التدريجي لتأثير هذه الأجنحة. كما كان المنهج القانوني للتغيير، الذي لم يحدث قطيعة مع الهياكل السابقة (خصوصا القوانين الأساسية)، مانعا للفراغات القانونية و الدستورية خلال مرحلة الانتقال و لأي استفزاز للأجنحة المحافظة. و يعتبر الفقيه الدستوري طوركواطو فيرنانديث ميراندا إيبيا، أستاذ خوان كارلوس في القانون السياسي، منظر فلسفة التغيير الناعم هاته التي ساهمت في التخفيف من هذا الإكراه.[15]
  • المؤسسة العسكرية: ورث خوان كارلوس الأول قيادة جيش نظام ديكتاتوري و ذي حضور وازن في تدبير المشهد السياسي مما يتناقض مع دور جيش حديث في إطار دولة قانون ديمقراطية. كان الجيش الإسباني آنذاك ذا بنية تقليدية وغير احترافية وكان ساحة لتجاذبات سياسية إصلاحية و أخرى محافظة ذكتها إحباطات انهيار ديكتاتورية الجار البرتغالي و فشل السياسة الكولونيالية في إفريقيا. كانت لحظة انقلاب 1981 الفاشل، و التي لعبت المؤسسة الملكية دورا كبيرا في إحباطها، نهاية آخر الفلول الارتدادية داخل الجيش الإسباني و بداية انتقال المؤسسة العسكرية نحو الاحترافية في مسلسل تأهيل استمر لثماني سنوات.[16]
  • العنف السياسي: شكلت الأجنحة المتطرفة ،يمينية كانت أم يسارية، تهديدا مستمرا لمرحلة الانتقال الديمقراطي. فقد كان لاستفحال الصدام بين هذه الأجنحة و التيارات المحافظة و الجيش أن يخلق دوامة من العنف و العنف المضاد كان من الممكن أن تقوض الدمقرطة إلى غير رجعة. ساهمت سرعة المسلسل الانتقالي و المنهج التوافقي و الاستمراري في تخفيف تأثير هذه التيارات. كما ساهم الحسم في الاختيار الديمقراطي من طرف النقابات و الأحزاب السياسية اليسارية (بين 1971 و 1972)، إضافة لهيكلتها التنظيمية الجيدة، في ضبط القواعد و التهميش التدريجي للعنف السياسي.[17]

[عدل]الحراك المجتمعي

عرفت إسبانيا منذ خمسينات القرن العشرين تحولات في بنيتها الاقتصادية و الاجتماعية نتيجة تصنيعها المتزايد و ظهور طبقة حضرية نشيطة بطبقة متوسطة وازنة. فرغم مصادرة نظام فرانكو لأغلب الحقوق المدنية و السياسية إلا أن أشكال التأطير المدني و السياسي تكاثفت في إسبانيا منذ الستينات عبر النقابات و الاتحادات الطلابية و الأحزاب السياسية و جمعيات السكان و جمعيات ربات المنازل. و لقد اضطرت الاحتجاجات العمالية النظام لإعلان حالة الطوارئ ثلاث مرات خلال سنتي 1969 و 1970 و إلى حظر الجمعيات السياسية سنة 1964. وفيما يلي أهم محطات و عناصر الحراك المجتمعي الذي سبق ورافق الانتقال الديمقراطي
  • الحركة العمالية: خلال ستينات القرن العشرين، و بتأطير من الحزب الشيوعي الإسباني، قامت مجموعة من الخلايا العمالية المتفرقة عبر مقاطعات أستورياس وكتالونيا ومدريد وإقليم الباسك بتأسيس اتحاد عمالي عرفباللجان العمالية ‏(Comisiones Obreras)‏.[18] تطورت مطالب الحركة العمالية عبر التراب الإسباني وعلى مستوى مجموعة من القطاعات الحيوية كالمناجم والصناعات التحويلية، ناهجة سياسة توسعية اختراقية (entrismo) للنقابات الفرانكوية القائمة. بسبب القمع الوحشي الذي ووجهت به تحولت الحركة العمالية الإسبانية من المطالب الاجتماعية (كرفع الأجور و الضمان الاجتماعي) إلى المطالب المدنية و السياسية، وشكلت حافزا لانضمام شرائح واسعة من المجتمع (كالطلبة و المثقفين) إلى الجبهة المناهضة للفرانكوية. ساهمت الإضرابات العمالية الضخمة بين 1971 و 1975 في تعبئة الطيف السياسي الإسباني و تحقيق مكتسبات سياسية و عمالية و خصوصا في تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي.[19][20]
  • الحركة الطلابية: شكلت الفضاءات الجامعية الإسبانية خلال عقدي الستينات و السبعينات معقلا للاحتجاج السياسي، متأثرة بموجات التغيير الأوروبية، و خصوصا انتفاضة ماي 68 و ربيع براغ. كانت أغلب التنظيمات الطلابية ذات توجه يساري (تروتسكية أو ماوية)، و عرفت إعلاميا باسم بروغريس (progres). لعبت الحركة الطلابية آنذاك دورا كبيرا في التكوين السياسي لجيل من السياسيين الذين بصموا مرحلة الانتقال الديمقراطي (فيليبي كونثاليث كمثال). و ساهمت خلال سنوات إرهاصات الانتقال الديمقراطي في تشكيل جبهة نضالية موحدة مع الحركة العمالية، و ساعدها في ذلك توفرها على قواعد ضخمة بالمراكز الجامعية الكبرىكشلمنقة وبلد الوليد و برشلونة و مدريد و إشبيلية و بلباو. أكبر دليل تاريخي على الخطر الذي كانت تشكله الحركة الطلابية بالنسبة لنظام فرانكو هو إلحاق الأخير لأول جهاز استخباراتي إسباني (Servicio Central de Documentación SECED) بوزارة التعليم في 1969.[21][22]
تمثال لإنريكي تييرنو في إحدى حدائق مدريد
  • المثقفون: عانت الحياة الثقافية الإسبانية خلال أربعينات و خمسينات القرن العشرين من جمود كبير عرف بتسمية (páramo cultural)، و ذلك تحت تأثير القمع والرقابة (الخارجية أو الذاتية) و هجرة أغلب المبدعين إلى الخارج. ابتداء من الستينات، و تحت تأثير الحراك الاجتماعي، حدث انفتاح في المشهد الثقافي مكن من عودة زمرة من المبدعين المغتربين و ظهور جيل من الأدباء و دور النشر ذات المدى الإصداري الواسع. تميزت المرحلة أيضا بنزيف داخل جبهة المثقفين الفرانكويين و التي اصطف جزء منها إلى جانب التيار الإصلاحي (كاميلو خوسي ثيلا كمثال). تميز المثقفون الإسبان خلال تلك الفترة بالتزامهم السياسي و عمليتهم و لا نخبويتهم، حيث ارتبطوا عضويا بباقي مكونات الحراك المجتمعي كالجامعات و النقابات و خصوصا الأحزاب السياسية. و من أهم الأسماء الأدبية و الفلسفية التي جسدت هذه الممارسة : إنريكي تييرنو و خوصي لويس لوبيث أرانغورين و أغوستين غارثيا كالبو و أنطونيو طوبار و خوصي ماريا بالبيردي.
تميز الحراك الثقافي آنذاك أيضا بازدهار للمسرح الجامعي و أندية شعبية للسينما و الموسيقى الملتزمة (جوان مانويل صيراط كمثال)، و ساعدت هذه الأشكال الإبداعية على خلق فضاءات للحوار و التثقيف السياسيين وسط شرائح اجتماعية واسعة.[23]
  • التكتلات المدنية: في 1964 قامت السلطات الفرانكوية بسن قانون جمعيات يقيد أنشطتها السياسية.[24] رغم ذلك استطاع المجتمع الإسباني أن يبدع أطرا جديدة مثل جمعيات الأحياء و جمعيات ربات البيوت، و التي استطاعت تأطير مئات الألاف من المواطنين. انطلقت هذه التكتلات المدنية من مطالب اجتماعية بسيطة (كإنشاء المدارس و تحسين وسائل النقل و توفير مواقف السيارات)، لتتطور لتنظيم المظاهرات التضامنية مع المعتقلين السياسيين و تنخرط في نفس النسق النضالي للحركات العمالية و الطلابية.[25]
  • الكنيسة الكاثوليكية: رغم كونها إحدى أهم ركائز الفرانكوية في بداياتها إلا أن الكنيسة الكاثوليكية ستعرف انطلاقا من الستينات ظهور تيارات إصلاحية و معارضة للديكتاتورية امتدت لأعلى مستوياتها التسييرية. استفادت هذه التيارات من دعم البابا بولس السادس و ساهمت خلال الانتقال الديمقراطي في التشجيع على التوافق السياسي.[26][27]

[عدل]الطبقة السياسية، فلسفة الأولويات و حس التوافق

ساهمت مجموعة من العوامل في دفع الطبقة السياسية إلى بناء توافقات عريضة سرعت وتيرة مسار الانتقال:
  • تشجيع المجتمع الدولي آنذاك للتحول السلمي.
  • تواجد تيارات وازنة تؤمن بالعنف السياسي (كإيتا و الجماعات الجذرية يمينية كانت أو يسارية) و الأسلاك المحافظة في الجيش و الشرطة و الإدارة الفرانكوية. تفاعل هذا الهاجس بطريقة مركبة مع مكون التوافق، فبقدر ما ساهم خطر العنف في سيادة ثقافة التوافق في أصعب لحظات الانتقال بقدر ما ساهم في دفع العديد من التيارات الجذرية للقيام بمراجعات مهمة و تغليب كفة العمل السلمي.
  • استمرار حضور أهوال الحرب الأهلية الإسبانية في الذاكرة الجماعية الإسبانية دفع جميع الأطراف إلى تبني سلوك إيجابي و توافقي خلال محطات الانتقال.
سانتياغو كاريو (يمين) رفقة رافائيل ألبرتي خلال أحد مؤتمرات الحزب الشيوعي الإسباني في 1978
تميزت الأحزاب السياسية الإسبانية الفاعلة آنذاك (و خصوصا الحزب الشيوعي (PCE) و الحزب الاشتراكي العمالي(PSOE)) بتغليب الأهداف النهائية على المبادئ الإيديولوجية الذاتية.[28] ومن أهم دعاة هذه الفلسفة السياسية أدولفو سواريث و فيليبي كونثاليث و سانتياغو كاريو و مانويل فراغا. اعتمدت المعارضة الديمقراطية آنذاك على آلية التكتل، فكان المجلس الديمقراطي (Junta democratica) أول ائتلاف بمبادرة من الشيوعيين (PCE) سنة 1974، وفي 1976 نشأت الأرضية الديمقراطية (Plataforma democratica) بمبادرة الاشتراكيين (PSOE). اندمجت الهيأتان في إطار موحد عرف باسم التنسيقية الديمقراطية ‏(Platajunta)‏[29] و هكذا تشكلت قوة ضغط قوية ضمت مكونات كانت إلى الأمس القريب متنافرة إيديولوجيا (كاليساريين و الكارليين و الليبراليين)، و جعلت طيف المعارضة يتبنى برنامجا واضحا يطالب بالحريات العامة و إجراء انتخابات و تشريع الأحزاب السياسية و الجمعيات المدنية.[30]

[عدل]عوامل أخرى

ساهمت أحداث و سياقات أخرى في رسم معالم الانتقال الديمقراطي من بينها:
  • توافر مؤهلات اقتصادية محترمة و طبقة وسطى مزدهرة مكنت من تطبيق اللامركزية. حيث يعتقد بعض المؤرخين أن فشل الجمهورية الإسبانية في ثلاثينات القرن العشرين، يرجع بالأساس لهشاشة الاقتصاد الإسباني آنذاك. ساهم تبني النظام الفيدرالي في امتصاص جزء كبير من التوترات الانفصالية الجهوية و انخراط النخب الجهوية في مسلسل الإصلاح.[31]
  • اغتيال منظمة إيتا للويس كاريرو بلانكو، رجل النظام القوي و المرشح الأول لخلافة فرانكو آنذاك، في 20 دجنبر 1973، أي فقط 6 أشهر بعد تقليده رئاسة الحكومة. شكل هذا الاغتيال آنذاك ضربة قوية للنظام الفرانكوي، و أدى لانقسامه بين تيارات إصلاحية و أخرى محافظة.[32]
  • المراجعات السياسية لليساريين الإسبان، خصوصا يساريي الداخل، و المتمثلة في الحسم في الخيار الديمقراطي. و لقد ساهمت صدمة اليسار الأوروبي إثر أحداث انتفاضة ماي 68 و ربيع براغ، في نشأة تيار من السياسيين اليساريين الأقل ارتباطا بالمعسكر الشرقي (مقارنة بالمغتربين) تمكنو من البسط الديمقراطي لأفكارهم خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي العمالي لسنة 1972. اعتبر فيليبي كونثاليث أيقونة هذا التيار حيث انتخب ككاتب أول للحزب سنة 1974.[33]
  • موجة العنف السياسي لسنة 1977: عرف النصف الأول من سنة 1977 تكاثف أحداث عنف و عنف مضاد من طرف المجموعات الجذرية. و كانت أهمها مجزرة أطوتشا (Matanza de Atocha) التي نفذها موالون للفرانكوية و توفي خلالها 5 محامين موالين للجان العمالية والحزب الشيوعي، وعمليات منظمة إيتا (تسببت في مقتل 28 شخصا في 1977)، و عمليات منظمة (GRAPOالماوية. خلقت موجة العنف هاته وعيا بضرورة تسريع الإصلاح وواجهتها الطبقة السياسية بإلغاء جميع أشكال المنع أمام الأحزاب السياسية و إجراء أول انتخابات تشريعية ديمقراطية منذ الحرب الأهلية الإسبانية في يونيو 1977.[34]

[عدل]أهم التحولات

[عدل]النظام القضائي

مقر المحكمة الدستورية الإسبانية في مدريد
رسخ دستور 1978 مبدأ استقلال القضاء وأنشأ المحكمة الدستورية العليا المخولة الوحيدة لتقرير نفاذ القوانين ولفض النزاعات بين الحكومة المركزية و الحكومات الجهوية.[35] تضم هذه المحكمة 12 عضوا يعينهم الملك بناء على المحاصصة التالية:[36]
  • 4 أعضاء يسميهم مجلس النواب بموافقة ثلاثة أخماس أعضائه
  • 4 أعضاء يسميهم مجلس الشيوخ بموافقة ثلاثة أخماس أعضائه
  • عضوان (2) تسميهما الحكومة
  • عضوان (2) يسميهما المجلس الأعلى للقضاء
أربع جهات داخل الدولة مخولة للتوجه نحو المحكمة الدستورية هي رئيس الحكومة أو ديوان المظالم (Defensor del pueblo) أو مجموعة برلمانية من 50 نائبا على الأقل (من مجلس النواب أو مجلس الشيوخ) أو الأجهزة التنفيذية للمقاطعات الذاتية الحكم.

[عدل]الإصلاح الدستوري

نصب تذكاري مخلد لدستور 1978 في مدريد
أهم مضامين الإصلاح الدستوري ل 1978:[37]
  • اعتبار الكرامة الجسدية و الحريات الشخصية على رأس الأولويات (تم تحصين هذا المبدأ بتشريعات متعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام و السجن المؤبد و تحريم التعذيب و الاعتقال التعسفي).
  • ضمان الحريات العامة من قبيل حق التظاهر و تأسيس المنظمات المدنية و السياسية و حرية التعبير و الصحافة.
  • تبني نظام انتخابي على أساس التمثيل النسبي مع التنصيص الدستوري على المقاطعة كدائرة انتخابية.
  • قصر نطاق عمل القضاء العسكري في المجال العسكري و الفصل بين إجراءات التحقيق و إجراءات المحاكمة في القضايا الجنائية.
  • تبني نظام لامركزي شبه فيدرالي، يتيح للمقاطعات الذاتية الحكم انتخاب برلمانات جهوية و تنصيب حكومات جهوية و إدارات محلية مستقلة، مع الاعتراف بخصوصياتها الثقافية و اللغوية.
  • حصر إعلان حالة الطوارئ بين البرلمان و الحكومة، و وضع القوات المسلحة تحت السيطرة الكاملة للمؤسسات المدنية.

[عدل]المؤسسة العسكرية

انطلقت عملية تحول الجيش الإسباني في 1982، واستمرت لثماني سنوات، هادفة إلى إنهاء الاستقلالية السياسية و الهيكلية و الاقتصادية و التشغيلية التي كانت تتمتع بها القوات المسلحة، كما هدفت أيضا إلى تغيير نظرة المواطنين حيال جيشهم الوطني. و من أهم العوامل المساعدة للتحول:
  • إمكانية دخول إسبانيا لحلف شمال الأطلسي[38] و هو ما مكن من الارتقاء بأنظمة الدفاع و الأطر المؤسساتية و المهنية إلى المعايير الأطلسية (دخلت البلاد للحلف لاحقا في 1986). و لقد استفادت إسبانيا خلال هذه الفترة من الخبرتين الأمريكية و الأوروبية في التأهيل الاحترافي للجيوش.
  • قانون العمل العسكري الذي أقره البرلمان في 1989 و الذي ارتقى بالمنظومة الدفاعية الإسبانية للمعايير الأوروبية، و الذي تزامن مع انضمام إسبانيا للاتحاد الأوروبي و خفض الوجود العسكري الأمريكي في القواعد الإسبانية.
  • انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ساعد في تقليص الإنفاق العسكري و ساعد في تقبل الجيش لتقليص صلاحياته و إعادة تعريف مجال اشتغاله في إطار المعطيات الجديدة للنظام الدولي.
  • عدم فرض معايير عسكرية في تدبير الحرب على أعمال العنف الصادرة من منظمة إيتا، رغم استمرار استهداف الجيش من طرف المنظمة الانفصالية. حيث تم تدبير المعضلة "مدنيا" من طرف الحرس المدني (الشرطة الوطنية أو Guardia civil) و مسار سياسي موازٍ متفاعل مع المكونات السياسية للانفصال الباسكي (خصوصا اليسار الوطني الباسكي Izquierda abertzale).

[عدل]الاقتصاد

تزامنت مرحلة الانتقال الديمقراطي الإسباني مع ظرفية اقتصادية صعبة. فتراكمات أزمة النفط العالمية لسنة 1973 كانت جاثمة على الاقتصاد الإسباني إبان فترة التحول،[39] ناهيك عن حالة النكوص و عدم وضوح الرؤية التي خلقتها مرحلة الانتقال لدى الفاعلين الاقتصاديين. و هكذا ولجت إسبانيا سنة 1977 بمعطيات رقمية اقتصادية مقلقة، حيث كانت نسبة نمو ناتجها الداخلي الخام بطيئة ب 1,5% فقط، و البطالة تتجاوز 000 800 عاطل و نسبة التضخم تناهز 20%.
في هذه الظرفية تم توقيع مواثيق المونكلوا (Pactos de la Moncloa) سنة 1977، و هي خارطة طريق مشتركة لتثبيت المسار السياسي للانتقال الديمقراطي و للإقلاع الاقتصادي. وقعت المواثيق من طرف الحكومة و النقابات و الأحزاب السياسية و جمعيات أرباب المقاولات. من أهم التوصيات الاقتصادية التي تم الاتفاق بشأنها:[40]
تطور الناتج الداخلي الخام الفردي المقارن بينإسبانيا و البرتغال و المكسيك بين 1900 و 2000
ظل مفعول هذه التدابير محدودا و كانت نتائجها أقل من الأهداف المرسومة، إلا أن أهميتها كانت في الدفع إلى توحيد و تضامن جميع الفاعلين أمام الأزمة الاقتصادية.
في 1982 و مع تولي حكومة الاشتراكيين الحكم، استمرت إسبانيا في تعميق الإصلاحات الهيكلية تحت إكراه ضبط التضخم و التقليص من نسبة البطالة. و كان هدف الانضمام للاتحاد الأوروبي حافزا لتطبيق مبادئ الشفافية في عمل الأسواق و تحريرها و مأسستها، مع خفض سياسة الدعم. و من أهم التدابير التي اتخذت خلال تلك المرحلة
  • تشجيع دخول الأبناك الأجنبية
  • إعادة تنظيم شاملة للنظام المالي و تعزيز مكانة الأبناك الجهوية
  • تحرير أسواق البضائع و الخدمات
في 1985 أكملت إسبانيا متطلبات الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة، وفي نهاية ولاية الاشتراكيين في 1996 كانت نسبة التضخم 3,6% و عجز الميزان التجاري 4,4% و نسبة الدين العام 69%. تبقى أهم سمة اقتصادية لمرحلة الانتقال الديمقراطي هي التأسيس لاقتصاد ليبرالي حديث، ذي مسؤولية اجتماعية، متسم بالشفافية، و لحكامة اقتصادية تشاركية بين جميع الفاعلين.[41]

[عدل]الثقافة

المخرج الإسباني بيدرو ألمودوبار أحد رموز الموفيدا الثقافية
بفضل الاندثار التدريجي لكل معيقات الإبداع الثقافي، عرفت إسبانيا ازدهارا ثقافيا كبيرا خلال ثمانينات القرن العشرين عرفت باسم "الحركية" أو لاموفيدا (La movida). شكلت هذه الحركية طفرة في المشهد الثقافي وفي العادات الاجتماعية خصوصا في أوساط الشباب. انطلقت الظاهرة في مدريد كشكل من أشكال الثقافة المضادة (contracultura) عبر أجناس إبداعية حداثية كالبانك (Punk) و الموجة الجديدة (New wave) و الروك البديل قبل أن تمتد إلى جميع مجالات الاشتغال الثقافيكالموسيقى و السينما و التصميم و القصص المصورة و الأدب. لاقت الظاهرة آنذاك دعما كبيرا من طرف عمدة مدريد إنريكي تييرنو، و انتشرت إلى باقي المدن الإسبانية كبرشلونة و بلباو و بيغو. من أهم رموز لاموفيدا المخرج السينمائي بيدرو ألمودوبار و الصالونات الإبداعية (Tertulia de Creadores) التي كان ينظمها الأديبجريجوريو موراليس.[42]

[عدل]الإعلام

كانت الممارسة الصحفية خلال السنوات الأخيرة لنظام فرانكو مؤطرة بقانون إعلام (صدر في 1966) موغل في الرقابة المسبقة، حيث كان يقضي بإطلاع مصالح وزارة الإعلام على نسخ الجرائد عشر ساعات قبل نشرها. بمجرد انطلاق مسلسل الانتقال تم توقيف تنفيذ هذا القانون. انطلاقا من 1975 تطورت الحريات الإعلامية بالموازاة مع الاندثار التدريجي للرقابة الذاتية.
و لقد نص الدستور الإسباني لسنة 1978 على الحق الدستوري في الاتصال و حق الوصول إلى المعلومة، و تولد وعي بضرورة عدم عرقلة حرية الإعلام، بأي تشريعات خاصة، لأهميته في بناء الدولة الديمقراطية. و هو ما عبر عنه آنذاك فرانثيسكو أوردونييث، الذي تقلد منصب وزير الخارجية في حكومة الاشتراكيين، لاحقا، بمقولة:[43][44]
«"أفضل قانون للإعلام هو عدم وجود قانون للإعلام"»

[عدل]راجع أيضًا

[عدل]مراجع

  1. ^ hemeroteca de ABC -El 22 de noviembre de 1975, Juan Carlos coronado rey
  2. ^ La Transición política (1975-1982) - Gobierno de Carlos Arias Navarro
  3. ^ LA DIMISIÓN DE ARIAS NAVARRO, FACTOR CLAVE PARA LA TRANSICIÓN. EL PAPEL DE LA PRENSA ESCRITA EN LA CRISIS Ernesto Cruzado Catalán
  4. ^ Adolfo Suárez acepta la oferta de Juan Carlos I para presidir un nuevo Gobierno, con el objetivo de reformar el sistema.
  5. ^ Ley 1/1977, de 4 de enero, para la Reforma Política.
  6. ^ Appendix A: Table 2. Selected Election Results for the Congress of Deputies, 1977-86Country Studies: Spain. Library of Congress.
  7. ^ EL REFERÉNDUM CONSTITUCIONAL DE 6 DE DICIEMBRE DE 1978
  8. ^ Acciones Terroristas: Víctimas Policiales de ETA. La Guardia Civil.
  9. ^ Diario ABC. 31/Enero/1981
  10. ^ El País. 2/Marzo/1982
  11. ^ La crisis de UCD culmina con la decisión de disolverse como partido político
  12. ^ La España de Felipe. 25 años del triunfo del PSOE - El Mundo
  13. ^ La reacción española ante la revolución portuguesa a través de la prensa. El tratamiento de los principales diarios (1974-1976)
  14. ^ ¿Revolución versus Transición? Visiones de España desdeel Portugal revolucionario y posrevolucionario
  15. ^ LA TRANSICIÓN ESPAÑOLA1.1. La agonía del Franquismo
  16. ^ El ejército en la transición - MANUEL GUTIÉRREZ MELLADO
  17. ^ 25 años de monarquía 25 años de emociones MARIO VARGAS LLOSA
  18. ^ موجز من تاريخ نقابة اللجان العمالية
  19. ^ La evolución de la afiliación a CCOO. 1978-2007, Confederación Sindical de CCOO
  20. ^ Transición política y sindicalismo radical, Centro de Asesoría y Estudios Sociales.
  21. ^ El movimiento estudiantil español a lo largo del tiempo La Transición y los años 90. Un análisis cualitativo
  22. ^ MOVIMIENTO ESTUDIANTIL ANTIFRANQUISTA, CULTURA POLÍTICA Y TRANSICIÓN POLÍTICA A LA DEMOCRACIA Alberto Carrillo-Linares
  23. ^ Los intelectuales en la Transición - Revista de Historia Contemporánea
  24. ^ EL DERECHO DE ASOCIACIÓN EN LA HISTORIA CONSTITUCIONAL ESPAÑOLA, CON PARTICULAR REFERENCIA A LAS LEYES DE 1887 Y 1964 José Daniel Pelayo Olmedo
  25. ^ Asociacionismo, sociabilidad y movimientos sociales en el franquismo y la transición a la democracia. Murcia, 1964-1986
  26. ^ La transición política en España y la cuestión religiosa.
  27. ^ IGLESIA Y TRANSICIÓN POLÍTICA
  28. ^ EL ESPÍRITU DEL CONSENSO Concepción Mónica Montero Elena
  29. ^ Coordinación Democrática / Platajunta
  30. ^ La transición española entre el consenso socioeconómico y la armonización autonómica
  31. ^ LA TRANSICIÓN POLÍTICO-ECONÓMICA Y LA CONSTRUCCIÓN DEL ESTADO DE BIENESTAR EN ESPAÑA (1975-1986)
  32. ^ LA TRANSICIÓN1976-1986Diez años de TransiciónDe Carrero a Suárez(I)
  33. ^ MATEOS, Abdón, El PSOE contra Franco: continuidad y renovación del socialismo español 1953-1974. Ed. Pablo Iglesias, Madrid, 1993. 502 pp. Prólogo de Javier Tusell.
  34. ^ Las otras víctimas de una transición nada pacífica Gonzalo Wilhelmi. Universidad Autónoma de Madrid
  35. ^ EL CONSEJO GENERAL DEL PODER JUDICIAL ESPAÑOL: INDEPENDENCIA Y AUTOGOBIERNO
  36. ^ Ley Orgánica 2/1979, de 3 de octubre, del Tribunal Constitucional.
  37. ^ Boletín Oficial del Estado núm. 311, de 29 de diciembre de 1978
  38. ^ EL NACIONALISMO DEL EJÉRCITO ESPAÑOL: LÍMITES Y RETÓRICAS Pedro Oliver Olmo
  39. ^ El ajuste económico de la transición
  40. ^ La economía. Los Pactos de la Moncloa
  41. ^ La transición de la economía española al siglo XXI CRISTÓBAL MONTORO *
  42. ^ La Movida madrileña ….. y los años 80
  43. ^ Prensa de información general durante la transición política española (1974-1984). Pervivencias y cambios en la representación de las relaciones sociales. Núria Simelio Solà
  44. ^ Los últimos intentos reformadores de la prensa del movimiento (1975-1976)

[عدل]مصادر