2013/01/15

التشغيل من أجل الإستقرار والتقدم الإقتصادي والإجتماعي في شمال إفريقيا

إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الإجتماعية من أجل عولمة عادلة

كلمة الأخ حسين العباسي الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل في الذكرى الثانية لثورة 14 جانفي المجيدة


كلمة الأخ حسين العباسي في الذكرى الثانية لثورة 14 جانفي المجيدة


بنات وأبناء حشاد العظيم.. حماة الاتحاد وفرسان الحريّة،
أيتها المناضلات.. أيها المناضلون الأحرار.. أنصار الحرية والكرامة والديمقراطية،
      مرّة أخرى نلتقي في هذه الساحة الرّمز، ساحة محمد علي الحامي الخالدة، لنحيي معا الذكرى الثانية لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثورة التحدي الشعبي ضدّ الدكتاتورية والاستبداد والفساد.
      نلتقي وفاءا وإجلالا لشهداء ثورتنا المجيدة وتقديرا لجرحاها الأبطال.
      فلنقف دقيقة صمت ترحما على أرواح شهدائنا الطاهرة واحتراما لتضحيات جرحانا البررة.
      في هذا اليوم ونحن نلتقي لنتأمّل ما أنجزناه ولنستخلص العبر ولنستشرف المستقبل، لا بدّ نستحضر ما طال الاتحاد من انتهاكات بلغت حدّ الاعتداء السافر على مقرّاته ومناضليه منذ أسابيع ونقول أنّ الاتحاد أكبر من أن تربكه التحرشات والتهديدات الغوغائية، وسيبقى أوّلا وقبل كلّ شيء وفيا لهذا الوطن ولشعبه ولمبادئه وقيمه مشكّلا صمّام أمان ضدّ كلّ مساعي الاستبداد، متمسّكا بالحوار والتوافق، سبيلا أمثل لإدارة العلاقات داخل المجتمع ولصياغة مضامين النمو الاقتصادي والرقيّ الاجتماعي ولبلورة آليات المشاركة والمواطنة.
      لن يثنينا السعي المحموم لتقزيم دورنا في تحصين تونس الحبيبة من كلّ الانحرافات التي تنزع إلى إعادة انتاج التغوّل والاستبداد، ولن تركّعنا المحاولات اليائسة والبائسة الرامية إلى حشرنا في بوتقة المطلبية الضيقة وإلى إلغاء دورنا وتغييبنا كقوّة راعية لأهداف ثورتنا المجيدة ولاستحقاقات شعبنا في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
      لقد سقطت شجرة التوت وبات المخطط مفضوحا وأصبحت أداة التنفيذ مكشوفة.. إصرار على مصادرة الاعلام وتدجين القضاء المستقل.. تهجمات منظمة ومتتالية على الاتحاد العام التونسي للشغل قصد إرباكه وتهميش دوره.. ترويع لأصحاب الرأي المخالف باستغلال دور العبادة والسيطرة على مفاصل الادارة وشراء ضمائر المستضعفين وتوظيف المشاعر العقائدية لتشويه وتقزيم الآخر تمهيدا لتمرير نمط استبدادي جديد تحت عناوين قديمة جديدة، أما الهدف فهو استدراجنا وغيرنا من عشاق الحرية إلى ردّ الفعل والسقوط في مستنقع العنف.
       لكن هيهات، فرغبتنا في خدمة بلادنا، وتأصّل روح المسؤولية فينا غلّبت لدينا مشاعر الوطنية ونزعة الاحتكام إلى القانون. لذلك نبقى منتظرين لما ستفضي إليه لجنة البحث والتقصي التي أحدثت بموجب اتفاق بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة والتي كُلّفت بالبحث في الاعتداءات التي استهدفت مقراتنا ومناضلينا عشية احياء المنظمة الشغيلة للذكرى الـ60 لإغتيال الزعيم فرحات حشاد وخاصة فيما نسب لبعض من تطلق على نفسها رابطات حماية الثورة. وهي نتائج ستساعدنا لا محالة على تحديد موقفنا بما يتناسب مع قناعتنا ومع تمسّكنا بمشروعية الدفاع عن ذاتنا.
مناضلات ومناضلو الاتحاد الأحرار،
نشطاء الحريّة والديمقراطية،
      نحيي اليوم الذكرى الثانية للثورة التونسية المجيدة مع ابناء شعبنا العظيم في ظرفية لا تزال تراوح بين التفاؤل والتشاؤم، بين الأمل في المستقبل والحيرة والقلق إزاء الحاضر.
      لقد كنا نعتقد أنّ انتخابات 23 أكتوبر 2011 ستفتح صفحة جديدة في اتجاه
إعادة بناء الحكم على أسس الشرعية الديمقراطية وإرساء العدالة الاجتماعية وإرساء دولة القانون إلا أنّها ولّدت واقعا جديدا في المشهد السياسي طغت عليه التجاذبات الإيديولوجية والحزبية وتعمقت الاختلالات الاجتماعية، وارتهنت الاستحقاقات الرئيسية التي نادت بها الثورة: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم ينته المجلس التأسيسي المنتخب من صياغة الدستور الجديد في أجاله المحدّدة كما تعهّد بذلك، ولا يزال المسار الديمقراطي في مأزق بسبب العنف السياسي المقصود والتجاذبات الإيديولوجية والعقائدية المفتعلة، ولا يزال استحداث آليات الانتقال الديمقراطي لم يكتمل بعد وتحديدا المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري والهيئة العليا للانتخابات، كما لا يزال الأمن مشدودا إلى المفهوم الذي كان سائدا والذي يختزل مفهوم الأمن الوطني في أمن النظام وأمن السلطة الحاكمة فقط.
      إنّ ما جرى ويجري في عديد الولايات والمعتمديات كسليانة والقصرين وسيدي بوزيد وبن قردان وقفصة والكاف وجندوبة وغيرها من ردود فعل قمعية ضدّ المتساكنين المطالبين بحقّهم في التشغيل والتنمية، إنما يؤكّد ان اجهزتنا الأمنية  لا تزال مشدودة إلى المفهوم القديم حيث لم تدرك بعد أنّ الأمن في أمن المواطن وأن الأنظمة إلى زوال لا محالة بينما تبقى الأوطان والدول ببقاء مواطنيها وشعوبها.
يا أبناء الاتحاد الأحرار،
      يطيب لنا بمناسبة هذه الذكرى  أن نهنئ أنفسنا بالنتائج الجديدة التي حقّقناها خلال المفاوضات الاجتماعية هذه السنة سواء في قطاع الوظيفة العمومية أو في القطاعين العمومي والخاص من زيادات في الأجور، لكن ما يسيئنا ويشغلنا هو ما نشهده يوميا من التهاب في الأسعار إلى درجة تهدّد جدّيا المقدرة الشرائية والتوازنات الاجتماعية.
      إن من واجب الحكومة التنبه إلى هذه الظاهرة المستفحلة والتي تعود أسبابها إلى تجاوزات موصوفة لعلّ من أهمّها الاستهتار السافر لبعض التجار والمضاربين بقرارات تحديد الأسعار، وإلى مواصلة الممارسات الاحتكارية على جلّ مسالك التوزيع في غفلة من هياكل الرقابة أو بتواطؤ منها وإلى استفحال ظاهرة تهريب السلع بشكل مثير للاستغراب والتساؤل حول سهولة اختراق الحدود من طرف المهربين الذين يستنزفون مقدرات الأسواق الداخلية دون رادع يردعهم، فيتسبّبون بذلك في ندرة السّلع والتهاب الأسعار التي انهكت المواطن وارتهنت قدرته على مواجهة مستلزمات الحياة من صحّة وتعليم ولباس وغذاء وغيرها من الضروريات المعيشية.
أيّها المناضلات.. أيها المناضلون،
      إن الواجب يدعونا اليوم إلى الانتباه الشديد لتفاقم تردي الأوضاع الاجتماعية في بلادنا فالشعارات التي ردّدتها الجماهير الشعبية مع انطلاق الثورة منذ عامين،  لا تزال تدوي هنا وهناك محورها الحقّ في التشغيل والحقّ في التنمية والحقّ في الحرية والعيش الكريم.
      مازالت البطالة تهدّد مئات الآلاف من التونسيين جلّهم من الشباب ومن خريجي الجامعات، والسّبب عقم سياسات التشغيل والاستثمار المعتمدة، والغريب أن الحكومة من خلال الميزان الاقتصادي لسنتي 2012 و2013 لا تزال مصرّة على اتباع نفس النهج حيث حافظت على نفس السياسة الجبائية المجحفة متجاهلة كلّ الدعوات لمراجعة المنوال التنموي الحالي والذي اثبت حدوده منذ سنوات.
      إنّ ما حققناه اليوم في سياق الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا والذي بات يحتم على مختلف الأطراف  الاجتماعية مراجعة العلاقات الشغلية  هو في غاية الأهمية، فقد انتهينا منذ دقائق من التوقيع على عقد اجتماعي مع شريكنا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ومع الحكومة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية وبحضور المدير العام لمنظمة العمل الدولية والأمين العام السابق للكنفيدرالية النقابية العالمية السيد ڤاي رايدر.
      إن الهدف من هذا العقد، الأول من نوعه في تاريخ تونس الحديثة، هو التوافق حول منوال تنموي بديل يستجيب لطموحات وانتظارات الشغالين في العمل اللائق والحماية الاجتماعية، ويؤسّس لاقتصاد متين يضمن التضامن والتوازن ويؤمّن القدرة التنافسية والدوام للمؤسّسة.
      إنّ ما حقّقناه كأطراف إنتاج ثلاثة من توافق والذي جاء تتويجا مثمرا لعدّة اشهر من المداولات والمشاورات، نأمل أن يمثّل خطوة نوعية لإقامة علاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم في إطار ميثاق وطني واضح يعكس التفاهم حول مبادئ وغايات وقيم مشتركة بين جميع مكونات الشعب التونسي ويجسّد مشاركة جميع أفراد المجتمع في صياغة تلك القيم وفي وضع مبادئها.
      أمّا على صعيد أخر فقد حاولنا من خلال تقديم مشروع دستور لتوضيح وجهة نظرنا لما يمكن أن يكون عليه دستور تونس الجديد. آملين أن يؤسّس هذا الدستور لمبادئ وقيم أساسية مثل الحريات العامة والفردية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتضامن الوطني، بوصفها مرجعية مشتركة لكلّ افراد المجتمع وقيما مقدّسة وضرورية للتعايش داخل المجتمع.
       إننا على يقين أن مسار الانتقال الديمقراطي لن يكتمل إلا إذا أرفقنا الإصلاحات الاقتصادية بإصلاحات اجتماعية مكرسة لمفهوم العمل اللائق وقائمة على احترام المبادئ الأساسية المنصوص عليها في معايير العمل الدولية، وهذا ما يدفعنا تحديدا  الى الحرص على تنزيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية بالدستور الجديد.
      إن ذلك لن يكون ممكنا إلا إذا حصل الوعي لدى أفراد ومكونات المجتمع بحقوق المواطنة الكاملةّ، وتوفرت لديهم حرية الإرادة في تسيير حياتهم الخاصة والعامة دون قيود والتواصل فيما بينهم والحوار والتشاور في كل القضايا التي تهم المجتمع والدولة.ولا يمكن تحقيق ذلك دون الممارسة الديمقراطية الراسخة المجسدة للمواطنة الكاملة بوصفها الأساس والركيزة المكونة لعناصر الدستور المطلوب.
      إن تمسكنا بدسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحق النقابي نابع من حرصنا على قطع الطريق أمام إعادة إنتاج الاستبداد المفسد للعلاقات الاجتماعية. وكل محاولة لاستهداف وتقييد هذه الحقوق إنما هي ضرب لحقوق الإنسان وارتهان لمقومات الحوار الاجتماعي ولن يجد لدينا إلا المقاومة والتصدي.
يا أحرار الاتحاد،
      إن وفاءنا لتونس ولشعبها هو وفاء لرواد الحركة النقابية الذين نستلهم منهم حب هذا الوطن وننهل من مسيراتهم النضالية أروع ضروب النضال والتضحية.
      وكم يزداد فخرنا لمّا يردّد اسم الاتحاد بكثير من الاحترام والإعجاب في المحافل الدولية تقديرا للدور الريادي الذي ما انفك يلعبه داخل المجتمع لإعلاء كلمة الحق ونصرة المظلومين والمحرومين وللدفاع عن القيم الكونية.
      إن ما سجلناه من حسن الاستقبال ومن فهم لمواقفنا وانتظاراتنا خلال زيارتنا الأخيرة إلى فرنسا ولقاءنا مع وزير خارجيتها السيد لوران فابيوس وكذلك السيد برتران ديلانوي رئيس بلدية مقاطعة باريس، إنما هو اعتراف نباهي به. ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى  قرار بلدية باريس بأن يحمل احد شوارع العاصمة الفرنسية اسم الزعيم الخالد فرحات حشاد وإلى الوعود الصريحة بشأن استعادة الأرشيف المتعلق باغتياله وكذلك الموقف الايجابي من مسألة المديونية، لنؤكّد المكانة الرفيعة التي بات يحتلّها الاتحاد في الخارج والتي أصبحت تمثّل مفخرة مناضليه وأفراد الشعب التونسي بأسره.
أيّتها المناضلات.. أيها المناضلون،
      إننا في الاتحاد العام التونسي للشغل وإذ نعتبر بهذه المناسبة تحقيق أهداف الثورة مسؤولية جماعية تستدعي مزيدا من الالتزام والتضحية فإننا نحيي كذلك الثورات العربية على الحكام المستبدين في سعيها إلى إقامة نظم ديمقراطية حرّة، بما يضمن الكرامة لكافة شعوبها وتحقيق مطالبها المشروعة، بعيدا عن كل تدخل أجنبي، كما نحيّي الخطوة التاريخية التي تخطوها حاليا فصائل المقاومة الفلسطينية في اتجاه توحيد نضالها ضد الكيان الصهيوني، من أجل تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
عاشت تونس حرة منيعة أبد الدهر
عاش الاتحاد العام التونسي للشغل مستقلا ديمقراطيا ومناضلا

إحياء الذكرى الثانية للثورة التونسية 14/01/2013 بالصور













































العقد الاجتماعـــــي 2013


العقد الاجتماعـــــي 2013

إنّ الشركاء الاجتماعيين الثلاثة، الحكومة التونسيّة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصّناعات التقليدية،
تكريسا لأهداف ثورة 14 جانفي 2011 التاريخيّة التي جسّمت إرادة الشعب التونسي في القطع النّهائي مع الاستبداد وبناء جمهوريّة مدنيّة وديمقراطيّة أساسها احترام حقوق الإنسان وضمان الحريّات العامّة والفرديّة وتجذير قيم المواطنّة والعدالة والمساواة ومقاومة الفقر والتّمييز والإقصاء والتّهميش بمختلف أشكاله وصيانة الحقوق والحريّات النقابيّة لطرفي الإنتاج ودعم حريّة النّشاط الاقتصادي وروح المبادرة،
وعيا بما كشفته ثورة 14 جانفي 2011 من إخلالات هيكلية وبعمق التحديات التي تواجهها البلاد من ارتفاع نسب التضخم وحدّة البطالة خاصة لدى حاملي الشهادات العليا وفئة الإناث وبالتفاوت الجهوي وبتباطؤ نسق النمو خصوصا في الجهات الداخلية في ظل وضع اقتصادي دولي متأزم، تقابله آفاق تنمية واعدة،
يقينا منهم بأنّ بناء اقتصاد متماسك ومندمج يحقّق الانتعاشة الاقتصادية ويوفّـر مزيدا من فرص العمل، يتطلّب تحسين مناخ الأعمال والاستثمار وحرية المبادرة والابتكار وبعث مؤسّسات اقتصاديّة مستدامة ذات قيمة مضافة وقدرة تنافسية وتشغيليّة عالية،
إقرارا منهم بأنّ منــوال التنمية الواجب اعتماده بمختلف مكوّناته خاصة منها الاقتصادية والاجتماعيـة لا يمكن أن ينبني إلاّ على أساس مفهوم شامل يكفل تنشيط الدورة الاقتصادية وخلق الثروات ومواطن الشغل في كلّ الجهات والتوزيع المحكم والعادل لثمار التنمية بين مختلف شرائح الشعب التونسي ومع مراعاة التوازن بين الجهات بما يضمن التماسك الاجتماعي،
صيانة لقيم المواطنة وتجذيرا لثقافـة العمل كقيمة حضاريّة أساسية وتنمية لثقافة الانتماء للمؤسّسة ودعما للإنتاج والإنتاجية وتكريسا للمسؤولية الوطنية والمجتمعية للمؤسسات وتحسينا للقدرة الشرائيّة لكافة الأجراء،
تجذيرا لثقافة التضامن بين كل الفئات بما يساهم في تحقيق الوئام الاجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع التونسي،
ضمانا لاحترام الحقوق الأساسيّة على غرار الحق في الشغل والعمل اللائق والتّعليم والتكوين والصحّة والسّكن والحماية الاجتماعيّة والمساواة في حظوظ الرّقي الاجتماعي للجميع من أجل ضمان الاستقرار الاجتماعي والكرامة لكل التونسيين بما يستجيب لأهداف الثّورة وتطلّعات الشعب التونسي،
إدراكا منهم لأهميّة الحوار والتّشاور في إرساء علاقات شغليّة متطورة وفي توقي النّزاعات الشغلية وحسن إدارتها وتوفير الحلول الملائمة لها عند حدوثها بما يساهم في ارساء مناخ اجتماعي سليم داخل المؤسسة،
حرصا منهم على المساهمة الفاعلة في إنجاح عمليّة الانتقال الديمقراطي في كنف المسؤولية وعلى قاعدة الحوار والتّوافق حول مختلف الملفات والخيارات الوطنية وإعادة الاعتبار لمؤسّسات الدّولة ودعم حيادها واستقلاليّتها،
واعتبارا للدور النّضالي والوطني للاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ومساهمتهما التاريخيّة في مقاومة الاستعمار وتحصيل الاستقلال الوطني ونظرا لتواجدهما الميداني النشيط وطنيا وجهويّا وقطاعيّا وتداول قيادتهما على المسؤوليّات بشكل ديمقراطي، ولكونهما المنظمتين النقابيتين الأكثر تمثيليّة وقدرة على التّجميع والتعبئة في ظل الوفاق من أجل المصلحة العامة،
فإنهم يتّفقون على مجمل البنود الواردة في محاور هذا العقد :
I – محور النمو الاقتصادي والتنمية الجهوية :
إقرارا من الأطراف الثلاثـــة بأنّ النمو الاقتصادي المحدود وواقع التنمية الجهوية غير المتوازنة، كانا من الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى ثورة 14 جانفي 2011، حيث كشفت الثورة عن واقع اقتصادي واجتماعي مليء بالتناقضات وبالإخلالات الهيكلية والنقائص مما يعكس مساهمة غير متوازنة في النمو بين الجهات و الفئات الاجتماعية وتوزيعا غير منصف لثمار التنمية، فإنّ الشركاء الثلاثة يدعون إلى ضرورة بناء توافق وطني حول أهمّية إرساء منوال جديد للتنمية في إطار مقاربة تشاركية بين الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، ووضع الأسس الحقيقية لتنمية شاملة ومستدامة ومتوازنة وعادلة بين الجهات تتّسم بملائمة الأولويات الاقتصادية للتّطلعات الاجتماعية وتجاوز الإشكالات المطروحة بما يساهم في تحقيق مستوى أرفع من النمو الاقتصادي.
ويرتكز هذا المنوال بالخصوص على الأسس التالية :
• تطوير اقتصاد أكثر نجاعة وأكثر تنافسية مبني على المعرفة والابتكار.
• تحقيق نمو إدماجي من خلال تشجيع اقتصاد ذي طاقة تشغيلية عالية يمكّن من خلق عددا أكبر من فرص العمل اللاّئق للجنسين وخصوصا في المناطق الداخلية بما يدعّم التماسك الاجتماعي ويحدّ من التفاوت بين الجهات.
• تكريس مقوّمات حقيقية للتّنمية الجهوية ورسم خطط جهوية للتنمية تثمّن بالخصوص قدرات الجهات وثرواتها وميزاتها التفاضلية، وذلك ضمن مقاربة جديدة تكرّس اللاّمركزية والديمقراطية المحلية.
• المحافظة على استدامة المحيط من أجل تحقيق تنمية مستديمة تنتفع بها الأجيال الحالية والقادمة مع تدعيم مفهوم جودة الحياة بما يستجيب لمعايير المسؤولية المجتمعية للمؤسسة.
ويتطلّب إرساء هذا المنوال، اتّخاذ تدابير تشمل مجالات عديدة منها :
• تكريس فعلي لمتطلّبات الحوكمة الرّشيدة وتحسين مناخ الأعمال ومراجعة مجلة التشجيع على الإستثمار وضبط نظام جديد لها يقوم على حوافز مرتبطة بالنتائج المستهدفة (تشغيل وتصدير وقيمة مضافة وتنمية جهوية).
• تطوير وتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة والقدرة التشغيلية الهامة لأصحاب الشهادات والقائمة على التجديد والإبتكار ورسم استراتجيات اقتصادية تهدف للرفع من القيمة المضافة في كل القطاعات والعمل على استقطاب استثمارات لإنجاز مشاريع مندمجة ومهيكلة.
• تأهيل البنى التحتية والقدرات واللوجستية واعتماد سياسة منافسة ناجعة (مقاومة الإحتكار والتّجارة غير المشروعة وخاصة التهريب والتجارة الموازية).
• فكّ عزلة الجهات الدّاخلية في ما بينها وبين أجوارها بدعم وتأهيل شبكة المواصلات وإدماج اقتصادياتها في أنشطة مهيكلة لا سيما عبر تنشيط المبادلات الحدودية.
• مراجعة السياسة الجبائية على أساس مبادئ الإنصاف والشفافية والعمل على التحكّم في نسبة الضغط الجبائي على الأجراء والشرائح الاجتماعية الضعيفة والمؤسسات الشفافة وضرورة مقاومة التهرّب الجبائي.
• دعم القطاع العام (تفعيل دور الدولة في مجال الخدمات العمومية وفي تنمية قطاع الإنتاج غير التنافسي) والقطاع الخاص (دفع الاستثمار وخلق مواطن الشغل) وقطاع الاقتصاد الاجتماعي (تفعيل دور التعاونيات في الحد من الفوارق الاجتماعية) والعمل على توفير أرضية شراكة بين القطاعين العام والخاصّ ودعم العمل المستقلّ المنظم و تيسير النفاذ إلى مصادر التّمويل.
II – محور سياسات التشغيل والتكوين المهني :
بالنظر إلى التحولات الاقتصادية المتسارعة وتضاعف التحديات المتعلقة بالتشغيل وعدم قدرة النسيج الاقتصادي الحالي على استيعاب الاعداد المتزايدة من طالبي الشغل وخاصة من أصحاب الشهائد الجامعية من جهة وعجز المنظومة الحالية للتكوين والتعليم عن الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل ولتحقيق الإدماج السريع لخريجيها من جهة أخرى، فإنّ الشركاء الاجتماعيين يتّفقـون على ما يلـي :
• إجراء إصلاح شامل لمنظومة التعليم بمختلف مراحله بما يجعل مخرجاتها تتلائم مع احتياجات الاقتصاد من حيث المهارات والكفاءات.
• إرساء منظومة وطنية تشاركيـة للاستشراف واليقظة والإعلام في مجال الإعداد للموارد البشرية.
• الالتزام بمبدأ التشاركية الفعلية بين الأطراف الاجتماعية لضبط وتنفيذ إستراتيجية وطنية للتشغيل ومتابعتها وتقييمها وتفعيل مبدإ التشاركية في إدارة قطاع التكوين المهني الأساسي والمستمر حسب معايير الحوكمة الرشيدة بما تفرضه من دورية التسيير واحترام مبدأ الثلاثية والتساوي في عدد ممثلي الاطراف في تركيبة الهياكل المسيّـرة.
• بعث منظومة لتطوير الكفاءات تساعد على المحافظة على ديمومة المؤسسة ومواطن الشغل وتأمين المسار المهني للشغالين بها تمكّن من إعادة إدماج فاقدي الشغل في الحياة المهنية.
• إحداث منظومة وطنية لتثمين المهارات والكفاءات المهنية.
• إحداث منظومة وطنية تحثّ على التملك الجيد للكفاءات الأساسية بما فيها ثقافة العمل ونشر ثقافة التكوين المهني الأساسي والمستمر والتعويل على الذات وتنمية روح المبادرة وتدعيم جانب الإعلام والتوجيه نحو سوق الشغل.
• إجراء إصلاح لآليات الإحاطة والمرافقة للباحثين عن العمل.
• العمل على الانتقال التدريجي من القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم مع الحرص على تنظيم التدريب المهني في هذا المجال.
III – محور العلاقات المهنية والعمل اللاّئـق :
انطلاقا من أهمية ارساء علاقات مهنية متطورة، تتعهد أطراف هذا العقد بـ :
ــ اعتماد منوال جديد للعلاقات الشّغلية يقوم على التّوازن في العلاقات بين الأطراف الاجتماعية ويرتكز على أربعة عناصر متكاملة ومتماسكة بحيث إذا اختلّ منها عنصر انعكس ذلك على كامل المنظومة. وتتمثّل هذه العناصر في :
• تشريع شغلي بمفهومه الشامل يدعّم التشغيل ويشجّع على الانتداب ويمكّن من التوظيف الأمثل للموارد البشرية بما يراعي متغيرات نشاط المؤسسة ويدعم ديمومتها وقدرتها التنافسية ويكرّس العمل اللاّئق بأهدافه الإستراتيجية الأربعة طبقا لمفهوم منظمة العمل الدولية ويضمن الحماية الاجتماعية لكافة العمال.
• اعتماد منظومة التكوين المستمر طيلة الحياة المهنية كحقّ وواجب على العامل والمؤسسة على حدّ السواء تهدف إلى:
تنمية المهارات والكفاءات المهنية،
تحسين الإنتاجية والرفع من القدرة التنافسية للمؤسسة،
المحافظة على مواطن الشغل،
مواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية،
تعزيز التشغيلية وإعادة الادماج المهني،
فتح آفاق الترقية المهنية.
• إحداث نظام للتأمين على فقدان مواطن الشغل في إطار صندوق (Fonds) مستقل يشمل الأجراء المسرّحين لأسباب اقتصادية أو فنية أو فاقدي الشغل لأسباب خارجة عن إرادتهم نتيجة غلق فجئي ونهائي للمؤسسة. ويكون هذا النظام ثلاثي التمويل أي بمساهمة أصحاب العمل والأجراء بالتساوي وبدعم مالي من الدولة على أن يقع تحديد آليات التمويل والتسيير وشروط الانتفاع ومدّته والمرافقة لأجل إعادة الإدماج بالدورة الاقتصادية باتفاق بين أطراف العقد.
• مزيد تنشيط سوق الشغل عبر إرساء منظومة توظّف كلّ الإمكانيات وتشتمل على آليات تكون محل حوار وتوافق قصد التقريب بين عروض الشغل وطلباته والملائمة بينهما.
ــ الإلتزام باحترام التشريع الاجتماعي وإجراءات تسوية نزاعات الشغل الجماعية في إطار ضمان الحق النقابي وممارسة حقّ الإضـراب والصدّ عن العمل.
ــ وضع استراتيجية إقتصادية تهدف إلى دعم القيمة المضافة للمنتوجات بما يضمن تحسين القدرة الشرائية للأجراء مع دعم تنافسية المؤسسة في إطار مناخ تنافسي سليم وترشيد الاداءات على الإستهلاك.
ــ مزيد النّهوض بالصّحة والسّلامة المهنية في اتّجاه تطوير المنظومة التّشريعية والتّرفيع في نسبة التّغطية بخدمات طبّ الشّغل وتحسينها في القطاع الخاص والقطاع العام بفرعيه الوظيفة العمومية والمؤسسات والمنشآت والدواوين العمومية.
IV – محور الحماية الاجتماعية:
بعد التأكيد على أهمية صياغة وتحديد منوال مجتمعي باعتباره حجر الأساس لإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية وتطوير آليات تمويلها وتسييرها وعدم الخلط بين الضمان الاجتماعي والتضامن الاجتماعي، توصّلت أطراف العقد إلى توافق حول ما يلـي :
مراجعة شاملة لأنظمة الضمان الاجتماعي بمختلف فروعها على ضوء دراسة يقع إنجازها تحت إشراف لجنة قيادة تضم الأطراف الاجتماعية الممضية على العقد مع تشريك الأطراف المهنية التي لها علاقة مباشرة في مختلف أطوار الدراسة كلّما دعت الحاجة وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقة لتأزم الأوضاع المالية والخدمية للصناديق بهدف إقرار الإصلاحات المناسبة مع المحافظة على مستوى قاعدي أدنى وفقا للنظام التوزيعي.
ضرورة تأهيل القطاع الصحي العمومي والخاص بهدف تحسين جودة الخدمات والضغط على الكلفة ومراجعة الخارطة الصحية في إتجاه مزيد من التوازن الجهوي.
الحفاظ على التوازنات المالية لأنظمة الضمان الاجتماعي مع تحسين مردودية التوظيفات والاستثمارات والعمل على تنويع مصادر التمويل.
ضرورة إرساء منظومة حوكمة رشيدة في إدارة الصناديق الاجتماعية والعمل على تسيير مجالس إدارتها بصفة دورية بين الأطراف الاجتماعية مع احترام مبدأ الثلاثية والتساوي بين ممثلي الأطراف في تركيبة مجالس إدارتها وعلى استقلالية قراراتها.
تكفل الدولة بضمان الحق في العلاج للفئات الهشة وتوفير حدّ أدنى من الدخل لفائدتها مع الحرص على إحكام توجيه التدخلات لفائدة الفئات المستهدفة حسب مقاييس موضوعية.
V– مأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي:
ضمانا لحوار اجتماعي ثلاثي فعّال ودائم، اتفقت أطراف هذا العقد على احداث مجلس وطني للحوار الاجتماعي يتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية ويكون ثلاثي التمثيل بالتساوي على أن يتمّ تحديد تركيبة هذا المجلس وآليات تعيين أعضائه بالاتفاق بين الأطراف الممضية على هذا العقد. ومن أهمّ مهامه :
-ضمان استمرار الحوار وانتظامه وشموله للمسائل التي تحظى باهتمام الأطراف الثلاثة.
-متابعة المناخ الاجتماعي العام ورصد مدى احترام التشريع الاجتماعي.
-النظر في جميع المسائل المتعلقة بالمنظمات النقابية للعمّال وأصحاب العمل ومدى تمثيليتهـا وذلك وفقا للتشريع الوطني ومعايير العمل الدولية والمبادئ المعتمدة من طرف هياكل المراقبة التابعة لمنظمة العمل الدولية.
كما يستشار المجلس وجوبا في جميع مشاريع التشريعات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمجال الاجتماعي.
ويمكن للمجلس أن يتعهّد تلقائيـا بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية التي يرى فائدة في إثارتها وتقديم مقترحات بشأنها إلى الجهات المختصة.
VI– آلية متابعة تنفيذ العقد الاجتماعي:
يتولّـى فريق العمل الثلاثي الذي أشرف على إعداد هذا العقد متابعة تنفيذ مضمونه إلى حين إحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي.
VII – تاريخ دخوله حيّز التنفيذ:
يدخل هذا العقد حيّـز التنفيذ بدايـة من تاريـخ إمضائه.
VIII – أحكـــام ختاميـــــة :
اعتبارا إلى أنّ العقد الاجتماعي هو إحدى آليات ضمان الانتقال الديمقراطي وعاملا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي ولكونه الإطار المرجعي لتنظيم وإدارة الحوار الثلاثي، فإن الشركاء الاجتماعيين الثلاثة يلتزمون بـ :
-احترام مضامين هذا العقد الاجتماعي المرجعي وتوطئته وبتحقيق أهدافه.
-إحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي في أجل لا يتجاوز السنة من تاريخ إمضاء هذا العقد.
تونس في 14 جانفي 2013