2012/01/24

بيـــان ذكرى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل “جانفي التأسيس…جانفي الثورة”


بيـــان ذكرى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل “جانفي التأسيس…جانفي الثورة”

ذكرى أخرى تتجدّد لتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل. ستة وستون سنة تتجدّد بالبريق نفسه والتألّق ذاته في شهر جانفي شهر الثورات والانتفاضات والهبات الشعبية.
ولكن ذكرى هذه السنة أشدّ بريقا وأكثر تألقا لاقترانها بالذكرى الأولى لثورة 14 جانفي 2011، ثورة الحرية والكرامة، ولكونها تأتي أسابيع قليلة بعد المؤتمر الثاني والعشرين الذي رسّخ الذكرى تحت شعار ” أحبّك يا شعب ” .
أيّتها العاملات أيّها العمال،
إن الصلة بتاريخ تأسيس اتحادكم يوم 20 جانفي 1946 تتنزّل في قيمة الثبات على المبدأ بأن يظل اتحادكم منظمة تجمع بين النضال الوطني والنضال الاجتماعي في تمازج واع يؤكد على دوره الفاعل لا في الدفاع على حقوق العمال فحسب، بل أيضا في النضال من أجل عدالة اجتماعية فعلية في ظل دولة مدنية ذات سيادة تامّة وقرار مستقلّ وجمهورية ديمقراطية تحفظ فيها حقوق الإنسان جميعها بما فيها الاجتماعية والاقتصادية، وتصان فيها الحريات العامة والفردية وتضمن فيها مكاسب المساواة بين المرأة والرجل وتطوّرها وتؤسس لاستقلالية القضاء وتعزز حرية الإعلام والتعبير.
أيّتها العاملات أيّها العمّال،
لقد كان لاتحادكم العتيد دور أساسي في مرحلة مقاومة الاستعمار المباشر، ثم في المساهمة في بناء الدولة الحديثة، وفي النضال ضد الاستبداد والاستغلال وفي المساهمة في ثورة الحرية والكرامة وإسقاط رأس الدكتاتورية وتأمين مرحلة الانتقال الديمقراطي التي مازالت في أطوارها الأولى.
وإن هذا الدور يزداد قوة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا. فأغلب مطالب ثورة 14 جانفي لم تتحقق وأهم أهداف الثورة لم تجد طريقها إلى الانجاز. فأين التشغيل؟ وأين التنمية الجهوية العادلة ؟ ومتى يتم إنهاء الفساد ومحاسبة المفسدين ؟ وإلى متى يتم التستر على القناصة الذين سقط بغدرهم عشرات الشهداء والجرحى ؟ وكيف ستستردّ أموال الشعب المنهوبة وهل سيجلب الدكتاتور وعائلاته وأصهاره وزمرة الحاكمين معه ؟ وفي الوقت الذي تتجه فيه عناية الحكومة إلى تمتين العلاقات الدولية تتكدّس الملفات الاجتماعية وتتراكم. إن نفس الظروف التي أدت إلى الثورة مازالت تقريبا قائمة : البطالة والفقر والتهميش وانعدام التوازن الجهوي وانسداد الآفاق أمام الشباب وارتفاع الأسعار الجنوني وغلاء المعيشة وهي أوضاع تفسر استمرار حالة الاحتقان وتفاقم الاعتصامات والاحتجاجات خاصة من المعطلين والمهمشين من أبناء الجهات المحرومة.
وكأن الحراك النضالي لا يتوقف منذ الهبة الشعبية في الحوض المنجمي على امتداد سنة 2008 إلى انطلاق الثورة في سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 وانتشارها إلى القصرين وتالة وغيرها من مدن بلادنا.
أيّتها العاملات، أيّها العمّال،
لقد تعرّض اتحادكم إلى هجمات كثيرة منذ التأسيس إلى اليوم، وسعى أعداؤه وأعداء العمل النقابي إلى محاولة تحطيمه عندما عجزوا عن تدجينه، وسقط من النقابيين دفاعا عن الاتحاد وعن الوطن شهداء في مقدمتهم الزعيم فرحات حشاد وشهادء معركة 5 أوت 1947 وشهداء النفيضة والمناضلين سعيد قاقي و حسين الكوكي وغيرهم كثيرون، وسجن المئات وعذبوا وتعرضوا لأبشع ألوان الطرد والتشريد، وفي مقدّمتهم الزعيمين أحمد التليلي والحبيب عاشور، فعرف الاتحاد في معركته من أجل الاستقلالية المؤامرات ضدّه والانقلابات عليه أواخر الخمسينات والستينات وعاش التنصيب في أزمتي 1978 و 1985 كما عرف مختلف أشكال العمل الموازي تحت مسميات التعددية النقابية المشبوهة ، وهي أزمات مرّت على الاتحاد ” فلم تقسم ظهره بل قوّته ” فكان يخرج منها دوما موحّدا أكثر قدرة على مجابهة الأعداء بفضل تضحيات مناضليه ووضوح رؤيتهم وثباتهم على المبدأ وإيمانهم بأن وحدتهم في اتحادهم. وإنها اليوم دروس علينا استحضارها لنتسلّح بها دفاعا عن اتحادنا من كل الأطماع والهجمات والاعتداءات أيّا كان مصدرها، حتى يظل اتحادنا مستقلا مناضلا .
أيّها العاملات، أيّها العاملون،
لقد كانت مسيرة الاتحاد حافلة بالنضال وبتحقيق المكاسب لكافة الشغالين ولعموم الشعب، ولقد حرص اتحادكم على ضمان حدّ أدنى مقبول من القوانين والتشريعات لحماية حقوق العمال في قوانين شغلية واضحة وظروف عمل كريمة وتمكن، أشهرا قليلة بعد اندلاع الثورة، من إلغاء المناولة في القطاعين العام والعمومي والتقليص منها في القطاع الخاص في اتجاه إلغاء كل الأشكال الهشة للتشغيل وحتى يكون المبدأ ” انتداب قار في موطن عمل قار” بما في ذلك داخل القطاع الخاص. وأمضيت اتفاقات كثيرة في العديد من القطاعات تحققت بها مكاسب جمة واستردّت حقوق ظلت مسلوبة لعقود. واليوم يتحتم على كل الهياكل النقابية وعلى كل الشغالين أن يتجندوا للدفاع عنها وفرض تنفيذها والعمل على تطويرها وتحقيق غيرها من المكاسب كتطوير القوانين الشغلية وإلغاء الجائر منها وتقنين الحق النقابي دستوريا وقانونيا وفتح تفاوض حول وضعية الصناديق الاجتماعية والإصلاح الجذري للمنظومة التربوية ، وحماية المؤسسات العمومية من الخوصصة التي أضّرت باقتصاد البلاد وأغرقته في التبعية المطلقة.
أيّتها العاملات أيّها العمّال،
لقد بني اتحادكم منذ التأسيس على مبدأ التسيير الجماعي وشفافية التصرف وحرية التعبير في إطار من الديمقراطية ، لكنه شهد عثرات في بعض مراحله وقد آن الأوان لتدعيم الديمقراطية وتطويرها وإيجاد آليات قانونية لصيانتها. كما شهدت هيكلة اتحادكم جمودا لم يعد يستوعب الكم الهائل من الحراك الاجتماعي داخل المنظمة ومنه الارتفاع الكبير في عدد المنخرطين والتطوّر الحاصل في عالم الشغل وفي الحياة المدنية عموما، واليوم يتحتم علينا، استنادا إلى مبادئ التسيير الديمقراطي وتنفيذا لمقرّرات مؤتمرنا الأخير، تطوير هيكلة الاتحاد بما يضمن تجذير الاستقلالية و الديمقراطية القاعدية وتثبيت التحديث والتطوّر بتشريك أوسع للشباب والمرأة ، حتى يتمكن الاتحاد من مجابهة مسائل التنظيم والتأطير والتكوين والدراسة وفق أسس علمية وآليات قانونية جديدة .
أيّتها العاملات أيّها العمّال،
لقد كان لاتحادكم الدور الأعظم في ربط الصلات مع مكونات المجتمع المدني زمن الاستبداد وأثناء الثورة المجيدة وهو يسعى إلى تشبيك العلاقات مع كل المنظمات والجمعيات على أسس ومبادئ حبّ الوطن والتعامل النّد للنّد والدفاع على مصالح جماهير شعبنا في تونس وفي المهجر والنضال ضدّ الاستبداد والاستغلال والاستعمار بكل أشكاله في نطاق من احترام حرية موقفه ورأيه واستقلالية قراره.
كما كان لاتحادكم إشعاعه العربي والدولي في العمل على تحشيد القوى من أجل قضايانا العربية وفي مقدّمتها قضية فلسطين للنضال ضد الاستبداد والصهيونية ومقاومة التطبيع والهيمنة الامبريالية ودفاعا عن حق الشعوب في الحرية والانعتاق وهو اليوم يلعب هذا الدور بحنكة أعمق وثقة اكبر استمدّها من عزيمة شعبنا في تونس حين ثار على الدكتاتورية وانتصر عليها ففتح للعرب ولشعوب العالم الطريق سالكة نحو الحرية والكرامة رغم ما تخلّل بعضها من محاولات التدخل الأجنبي في مواجهة عولمة متوحشة وليبرالية لا إنسانية.
أيّتها العاملات، أيّها العمّال،
لقد ثار شعبنا بعد أن راكم من النضالات الكثير في إطار حراك سياسي واجتماعي انطبعت في تاريخه عبر محطات مهمّة وقدّم التضحيات الجسام وسامه الجلادون ألوانا من العذابات وأذاقوه صنوفا من القهر والقمع ولكنه لم يستسلم لأنه يؤمن ” أن تونس أفضل … هو حلم ممكن ” تونس أفضل بلا جلادين ولا مستبدّين ولا مستغلين ولا فاسدين … وعلينا أن نرعى الحلم ونعمل على تحقيقه.
المجد والخلود للشهداء
عاشـت تونـس
عاش الاتحاد العام التونسي للشغل مستقلاّ ديمقراطيّا مناضلا.
تونس، في 20 جانفي 2012
الأمين العام: حسين العباسي